بقلم : مشاري الذايدي
في خريف عام 2011 نشر رئيس الوزراء الروسي، آنذاك، فلاديمير بوتين مقالة بعنوان «مشروع تكامل جديد لأوراسيا - المستقبل الذي يولد اليوم».
يرى البعض أن أفكار المقالة البوتينية هي بالضبط ما حاول الأكاديمي والمفكر الروسي (ألكسندر دوغين) شرحها وترويجها كل حياته.
خلاصة تلك الأفكار هي الدعوة لطريق مختلف عن الليبرالية الغربية أو الشيوعية الشرقية، كما الفاشية والنازية أيضاً، بل طريق يذهب باتجاه ثقافي وجيوسياسي مغاير، يرتكز على حقيقة أن روسيا هي هوية حضارية قائمة بذاتها، يتجلى ذلك في جغرافيتها نفسها حيث تتوزع هذه الدولة الأضخم مساحة في العالم على قارتي أوروبا وآسيا، ومن هنا كانت «النظرية الأوراسية» الداعية لاتحاد جديد قوامه روسيا وجمهوريات آسيوية وأوروبية.
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، الذي اعتبره بوتين في مقابلة تلفزيونية سابقة أهم حدث صار في العالم، ظلت النخبة الروسية تحاول تشييد ثقافة جديدة تكفل حيوية الدولة والهوية الروسية، فكانت هذه النظرية التي تقوم على نبذ المعايير الغربية الليبرالية (من أمثلتها دعم المثلية الجنسية).
بكل حال لا يكفي المجال لاستعراض أفكار الرجل الذي يكتب ويحلل بالروسية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية! حسب تقرير (رائد جبر) المثير بهذه الصحيفة.
مؤخراً حاول عملاء أوكرانيون قتل المفكر الروسي الكبير بعبوة ناسفة ملصقة بسيارته بإحدى ضواحي موسكو، لكن الضحية كانت ابنته (داريا) حسب تأكيد رئيس إقليم دونيتسك الانفصالي (دينيس بوشيلين). والضحية هي فتاة أبيها، فكل فتاة بأبيها معجبة، وهي مثله مثقفة وتجيد السجال مع الأفكار الغربية.
في استطلاع الرأي الذي أجري عام 2009 احتل دوغين المرتبة 36 بين أكثر المثقفين نفوذاً في روسيا. وفي عام 2014 أدرجت النسخة الأميركية من مجلة «فورين بوليسي» الفيلسوف الروسي في قائمة أبرز 100 «مفكر عالمي»».
وصف الخبير السياسي الأميركي (غلين بيك) كما يشير تقرير «الشرق الأوسط» المذكور، ألكسندر دوغين بأنه بين «أخطر رجال في العالم».
الرجل ليس جنرالاً ولا قائداً في الاستخبارات ولا وزيراً ولا حتى صديقاً مقرباً لبوتين وعقله المفكر كما تقول الدعاية الغربية، بل إن دوغين نفسه قال إنه لا يعرف بوتين شخصياً (أكيد هذه الدعوى غير صحيحة!) لكنه صاحب كلمة وصانع أفكار.
المراد قوله هنا، وبعيداً عن نظرية دوغين، ومعامع الحروب الروسية الغربية بسبب أوكرانيا اليوم، أن الأساس في كل شيء تراه حولك هو: الفكرة والكلمة. تلك هي القوة الحقيقية للحركة الإنسانية عبر التاريخ... أحببت هذه الحركة أو تلك، ليس مهماً، المهم هو التأمل في قوة الفكرة والكلمة... هي أساس كل ما تراه في الحرب والسلم والتنمية والفقر والعلم والجهل والصحة والمرض.
أين هي الأفكار العربية الحيوية الكبرى اليوم...؟ دلوني عليها.