بقلم - مشاري الذايدي
من طرائف ما يُروى في الحكايات الشعبية السعودية، أن إمام صلاة الجمعة وخطيبها في قرية من قرى نجد، في قلب جزيرة العرب، قبل أكثر من مائة عام، بعدما فرغ من خطبته التقليدية، ثم ألحقها بالأدعية المسجوعة المحفوظة من جماعة القرية في المسجد، وقع في سهو ونسي جملة، أثار نسيانها الحضور كلهم.
الدعاء المسجوع المحفوظ عن ظهر قلب من جماعة المسجد، صغيرهم وكبيرهم، يقول: اللهم ادفع عنّا الغلاء والوباء والربا والزنا و«الزلازل» والمِحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصّة وعن سائر بلاد المسلمين عامّة.
الخطيب لسببٍ أو لآخر، نسي كلمة «الزلازل» في دعاء الجمعة هذا، فهبَّ الجماعة بصوتٍ واحد: الزلازل... الزلازل يا شيخ!!
لكن خطيبنا استصعب إعادة الدعاء من أوله، وهو يحفظه هكذا، قطعة واحدة، فردّ عليهم بالقول: الزلازل تأتيكم الجمعة المقبلة!
تذكّرت هذه الحكاية وأنا أقرأ تصريحات وتعليقات من يوصف بأنه «العالم الهولندي» في الزلازل والجيولوجيا (فرنك هوغربيتس) مؤخراً.
غرّد راصد الزلازل الهولندي، الأربعاء الماضي، عن شيء جديد... عن «العرب»، فقد كتب على حسابه الرسمي في «إكس» ملاحظة عن التقارب ما بين الثقافات، قائلاً: «يحزنني أن أرى تزايد الكراهية والاستقطاب بين الناس من مختلف الثقافات، وبخاصة في أوروبا». وأضاف: «في السنوات القليلة الماضية، نمت اتصالاتي عبر الثقافات. بعض الذين اعتبرهم من أفضل أصدقائي هم من العرب». واختتم تغريدته بالقول: «نحن جميعاً شعب واحد على كوكب واحد». وفي وقت سابق، توقّف عن التغريد عبر حساب مؤسسته الخاصة؛ احتجاجاً على الحرب في غزة.
الرجل بهيئته المميزة التي يظهر بها مسدلاً ضفيرة خلف رأسه، مثار جدل بسبب ما يطلق عليه هو نظرية «الهندسة الحرجة»، ومفادها ربط حركة الزلازل والاضطرابات الأرضية بحركة الكواكب واقترانها (هنا نقترب من ثقافة قراءة الطالع القديمة!).
علماء الفلك والجيولوجيون يرفضون نظريات الهولندي المثيرة للجدل، معتبرين أنها غير علمية، ويصرّون على أنه لا علاقة بين حركة الكواكب واصطفافها واقتراناتها بأنشطة الزلازل على الأرض.
بل إن جملة من هؤلاء العلماء حذّروا من أشخاص ينتحلون صفة خبراء يبثّون الذعر والقلق بين الناس بهدف الشهرة أو جمع التفاعلات على مواقع التواصل.
نترك الخلاف العلمي بين أهله، من علماء الجيولوجيا وخبراء الزلازل، هم يحكمون على «زميلهم»، وهو يدافع عن نظرياته بهذا الخصوص، نحن نشاهد هذا الخلاف.
لكن أن ينسى الهولندي موضوع الزلازل الأثير لديه، ويتحوّل إلى «ناشط» سياسي يعلّق على القضايا الجدلية، بصرف النظر عن صواب أو خطأ، صحّة أو بطلان تعليقاته، فهذا لا ما يُنتظر منه.
أين الزلازل يا «شيخ» فرنك هوغربيتس؟!