بقلم : مشاري الذايدي
الخبر الأول هو البيان الذي أعلنته هيئةُ الإعلام المرئي والمسموع في السعودية (هيئة حكومية) حول الموقف من الإعلانات الخادشةِ للحياء على «يوتيوب»، داخل السعودية، التي لوحظت في الفترة الأخيرة على المحتوى المجاني على هذه المنصة.
هذه الهيئة، ومعها هيئةُ الاتصالات في السعودية، طالبت «يوتيوب» بإزالة تلك الإعلانات والتزام الأنظمة، وإلا «سيتم اتخاذُ الإجراءات القانونية اللازمة».
اختلف الناسُ في تفسير فعلة «يوتيوب» هذه، فمن قائل إنَّها مقصودة لنشر الإباحية في السعودية، ومن قائل إنَّ غرض «يوتيوب» مادي، وليس التبشير بهذه القيم، المراد هو إجبار الناس، خاصة الأسر، على الاشتراك المدفوع بخدمة «يوتيوب»؛ حيث لا توجد إعلانات في هذه الخدمة، إباحية كانت أم وعظية!
دَعْ هذا، ولاحظ الخبر التالي، الذي صدم المشاعرَ، وحوَّل الخيال العلمي واقعاً حقيقياً، وخلاصته أنَّ مهندساً تابعاً لشركة غوغل، قال إنَّ التقنية التي تعمل عليها «غوغل» باسم «لامدا» خطيرة، وهذه التقنية هي أداة الشركة لبناء روبوت المحادثة. بلايك ليموين، وهو مهندس «غوغل» المغضوب عليه من الشركة، أعلن الشهر الماضي أن تقنية «غوغل» اللغوية واعية، ويجب بالتالي احترام «رغباتها».
وقال ليموين، الذي عمل مع فريق الذكاء الصناعي المسؤول في «غوغل»، لصحيفة «واشنطن بوست»، إنه وجد أن «لامدا» أظهرت وعياً ذاتياً، ويمكنها إجراء محادثات حول الدين والعواطف والمخاوف. ودفع هذا ليموين إلى الاعتقاد بأنَّ وراء مهاراتِه اللفظية المثيرة للإعجاب قد يكمن أيضاً عقلٌ واعٍ!
شركة غوغل هرعت لنفي كلام مهندسِها، واصفةً كلامه، على عادة لغة بيانات النفي، بأنَّه «لا أساسَ له على الإطلاق».
وبعد رفض «غوغل» لكلام مهندسها، قالت إنَّه تمَّ منحُه إجازة مدفوعة الأجر لانتهاكه «سياسة السرية للشركة»! ولا ندري أين السرية التي غضبت الشركة لكشفها هنا؟! يشار إلى أنه في الشهر الماضي، كما نوّهت «بي بي سي» شارك موظف آخر في «غوغل» أفكاراً مماثلة مع مجلة «الإيكونوميست».
الرابط، بزعمي، بين الخبرين، هو تفوّق التقنيات الرقمية على السيطرة البشرية، أو قُلِ الصراع الذي نشهد بداياتِه بين قدرات ومعاييرِ الإنسان الحقيقي، ونظيره الآلي الرقمي... وهو أمر مخيف، خاصة أنَّنا في بداياته.
«يوتيوب» يعتمد مثل غيره من منصات السوشيال ميديا، آلية تدعى «الخوارزميات» أي الذكاء الصناعي، وخلاصته «توجيه» المستهلك لهذا المحتوى لما يراد له، من طرف سادة هذه الخوارزميات، وقصص «فيسبوك» و«تويتر»، ومحرك «غوغل» نفسه، لا تخفى على المتابعين. ومن هنا نشهد صراع الدول والمجتمعات مع تطبيق مثل «يوتيوب»، ليس في السعودية فقط.
أما الخبر الثاني فهو صورة متطرفة تشتبك مع ما كنا نشاهده في أفلام الخيال العلمي عن سيطرة الآلات على البشر وتمردها على صانعها، فكيف يحمي الإنسان «الحقيقي» نفسَه في نهاية الأمر من «دولة الديجيتال»؟!