عن الأصل البشري للأزمة الإيكولوجية

عن الأصل البشري للأزمة الإيكولوجية

المغرب اليوم -

عن الأصل البشري للأزمة الإيكولوجية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

وقت ظهور هذه الكلمات للنور، تكون أعمال قمّة الأطراف الخاصّة بالبيئة والتي ترعاها الأمم المُتَّحدة، "كوب 28"، قد انطلقت في دولة الإمارات العربيّة المُتَّحدة، وسط تجمّع دوليّ وعلميّ وفكريّ كبير، وفي محاولة لاستتباق الزمن، قبل أن يقترب زمن "الراحل كوكب الأض".

يعنّ لنا التساؤل أوّل الأمر: هل من فائدة حقيقيّة لمؤتمرات المناخ العالميّ، والتي تنعقد في العقود الأخيرة؟

التساؤل مرَدُّه غياب الإرادة السياسيّة عند كُبْريات الحكومات الدوليّة، ذات الأبعاد القطبيّة، والتي كانت السبب الرئيس في تحَوّل مناخ الكرة الأرضيّة من زمن الاحتباس الحراريّ إلى أوان الغليان، والتعبير للأمين العام للأمم المُتَّحدة السيّد أنطونيو غوتيريش.

قبل انطلاق أعمال مؤتمر "كوب 28" بساعات قلائل، كانت البيانات الإحصائيّة تشير إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية باتت ثاني أكبر دولة في العالم تأثيرًا على صعيد تلويث مناخ الأرض عبر الغازات الدفيئة ولم يعُدْ يسبقها سوى الصين.
هذه الإشارة تدفعنا لتساؤل أكثر عمقًا: "هل يمكن تصور قيام واشنطن وبكين بتهدئة الصراع القطبيّ القائم بينهما، بهدف انتشال الكوكب الأخضر من وهدته؟

لن نقدم جوابًا شافيًا وافيًا، وإنما أمام هذا الواقع المثير للقلق نهارًا، والداعي للأرق ليلاً، نستعير مقولة المثقف العضويّ الإيطاليّ الكبير، أنطونيو غرامشي: "أمام تشاؤم العقل يبقى تفاؤل الإرادة".

تبدو الأزمات الاقتصاديّة الخانقة مطبقة على رقاب العالم دولاً وشعوبًا في الأعوام الأخيرة، لا سيّما من جرّاء تفَشّي جائحة "كوفيد 19"، والتي أعقبها مباشرة الحرب العبثية بين روسيا وأوكرانيا، والتبعات التي لحقتْ بالاقتصادات العالميّة من جرّاء هذَيْن الحدثَيْن الكبيرَيْن، ومن غير أن نغفل أزمات ماليّة عالمية في مُقدِّمتها أزمة الديون، وهي ما تعتبر في نظر العديد من الإقتصاديّين الكبار مقدمة لدخول البشريّة أزمة اقتصاديّة لا تَقِلُّ عَمّا جرت به المقادير في ثلاثينات القرن المنصرم.
هل تتطلب العناية بالنظم الإيكولوجية نظرة تتخطى الواقع الضيق للمفاهيم الكمبرادوريّة الاقتصاديّة، من بيع وشراء وتحقيق هوامش ربح سريعة؟

المؤكد أنّ البحث عن تحقيق أرباح بسهولة ويسر، وبسرعة ضمن سياقات المنافسة الرأسمالية غير المستنيرة، لا يكترث أحد بالمحافظة على البيئة ونظمها، غير أنّ الحقيقة التي لم يَعُدْ من الممكن بحال من الأحوال تجَنُّبُها، هي أنّ كُلفَةَ الأضرار التي يسببها الإهمال الأنانيّ، هي أكبر بكثير من الربح الاقتصاديّ الذي يمكن الحصول عليه في حال فقدان بعض الأصناف البيئيّة أو الإضرار الكبير بها.

هنا ستتحول الخليقة أو الكثير منها إلى شهود صامتين على تفاوتات خطيرة، عند الزعم بالحصول على أرباح هامة، وجعل باقي البشرية الحاضرة والمستقبليّة تدفع الثمن الباهظ للتدهور البيئيّ.

هل من أمثلة عمليّة تدلِّلُ على صدقية ما نقول به وموثوقِيَّته؟

من قلب الصين والولايات المتحدة الأميركيّة، القطبَيْن القادم والقائم، واللذَيْن يتهَدَّدُهما فخُّ ثيوسيديديس في المستقبل القريب، كما حدث مع اليونان وإسبرطة قديمًا، يمكن للمرء أن يغوص ضمن رؤية تحليليّة تتجاوز مُجَرَّد سطور مقال صغير.

خُذْ إليك الحالة البيئيّة في الصين، والتي تعَرَّضتْ الصيف الماضي بنوع خاصٍّ إلى موجة من الحرارة غير الطبيعيّة، سَبَبُها ولا شَكَّ زيادة معدلات الاحتباس الحراريّ الناجمة عن محاولة الصين تجاوُزَ الغرب عامّةً وأميركا خاصّةً اقتصادِيًّا.

هذه الحرارة العالية أحدثتْ نوعًا من القصور في الشبكات الكهربائيّة، ما وَلَّدَ أزمة في الطاقة الداخلية، كَبَّدَتْ بكين المزيد من الإنفاق في الداخل، ومن جهة ثانية عَطَّلَتْ من خطوط الإنتاج، ما يعني أنّ الخسارة الإجماليّة أضحت أعلى من الربح الإجماليّ.

لا يختلف الوضع في الولايات المتحدة الأميركيّة كثيرًا، سِيّما في ظل ارتفاع درجات حرارة المحيطَيْن المُشاطِئَيْن للبلاد، الأطلنطيّ من الشرق، والهادئ من الغرب.

باتت المحيطات الساخنة المحيطة بأميركا تهديدًا إيكولوجيًّا خطيرًا، عِوَضًا عن اعتبارها سابقًا حماية طبيعيّة من غزوات الآخرين.

تتسبب هذه السخونة في مياه المحيطات في الأعاصير والعواصف شتاءً، وفي ارتفاع درجات الحرارة صيفًا، ما يجعل البلاد والعباد تحت رحمة الطقس غير العقلانِيّة.

أمّا الطامّة الكبرى فتتمَثَّل في ذوبان جليد الأقطاب، لا سِيّما الشماليّة، ومؤخَّرًا تابعنا انفصال كتلة جليديّة تعادل مساحة مدينة نيويورك دفعةً واحدةً.

وحتى لا نُتَّهَمَ بالتشاؤم او السوداويّة، ينبغي القول إن هناك بعض البلدان حققتْ تقدّمًا في الحفاظ على بعض المناطق بَرًّا وبحرًا في حالة بيئيّة جَيّدة، حيث يمنع أيّ تدَخُّل بشريّ قد يغَيِّر هيئتَها أو يفسد بنيتَها الأصليّة.

تسَبَّبَ الاحتباس الحراريّ في الأعوام الماضية في اشتعال الحرائق في العديد من البقاع والأصقاع، وقد كان مثيرًا جدًّا أن نتابع مثل هذه الحرائق في كندا مؤخَّرًا، وهي الدولة المعروفة بمناخها الشديد البرودة، وثلوجها التي لا تتَوَقَّفُ عن الهطول.

غير أن الحدث الأكثر هولاً هو أن الاحترار الذي تحول اليوم إلى غليان، كاد مؤخَّرًا أن يتسَبَّبَ في احتراق "رئة الأرض"، والتي تعني غابات الأمازون في أميركا الجنوبيّة، مع ما يمكن أن يصيب البشريّة حال القضاء عليها.

للمرء أن يتوسّع في أحاديث الأصل البشريّ للأزمة الإيكولوجيّة، غير أن ما يستحِقّ التوقف أمامه بتعَقُّل وتُؤَدة بالغَيْن، هو التبعات القادمة، والتي ستحيل كوكب الأرض إلى صراعات مشتعلة، من جَرّاء الهجرات القسريّة من أماكن لن تعود صالحة للحياة إلى أماكن أفضل نسبيًّا.

ولعلّ في ملف المناخ ما هو جديد ومثير، إذ بدأت من حولنا صيحات تطَرّف راديكاليّ بيئيّ، من خلال جماعات تعنتق أفكارًا بيئيّة متشَدِّدة، وتبدو منهجِيّتها خطيرة للغاية؛ إذ تؤمن بالعنف الذي يصل إلى حَدِّ القتل دفاعًا عن أفكارها التي تؤمن بها تجاه الأرض الأم أو "غايا" كما الحال في الميثولوجيا اليونانية القديمة.

ثم ماذا؟ ماذا يمكن أن تكون حصيلة "كوب 28"؟

لن تجدي البيانات والمناشدات البلاغيّة حتى وإن جاءت في صورة أو "لغة خشبيّة".

ما يحتاجه الكوكب المتألّم، هو قرارات إنسانيّة ووجدانيّة ودينيّة، توضح درجة الانهيار الماضية فيها البشرية بقوة، عسى أن تكون هناك صحوة حقيقة في طريق مداواة الطبيعة المتألمة والجريحة، والتي تتهَيَّأ لقلب ترس المِجَنّ للإنسانيّة في المستقبل القريب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الأصل البشري للأزمة الإيكولوجية عن الأصل البشري للأزمة الإيكولوجية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 21:24 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:02 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 07:57 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هافانا ذات الجو الحارّ غارقة في التاريخ ونابضة بالحياة

GMT 06:44 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا..!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib