بقلم : إميل أمين
هل كان الهجوم على «الكرملين» بطائرتين مسيرتين صافرةَ البداية للزلزال القادم، الذي يُعرَف عند البعض باسم «حرب الربيع» أو «الهجوم الأوكراني المضاد»؟
تبدو ساعة الصفر، وكأنها اقتربت بشكل غير مسبوق، والجميع ينتظر المواجهة الكفيلة بأن تجر العالم إلى صراع يتجاوز الأسلحة التقليدية.
بعد نحو 48 ساعة من الصمت، خرج المتحدث باسم «الكرملين»، ديمتري بيسكوف، ليقطع بأن الولايات المتحدة الأميركية هي مَن يقف وراء هذا الهجوم النوعي غير المسبوق، الذي تسبب في حقيقة الأمر في زلزال بالداخل الروسي، ويُخشى معه أن تكون ردات فعله، أو توابعه أشد وقعاً، وأعمق تأثيراً.
بيسكوف يؤكد أن مثل هذه القرارات الاستراتيجية، أي الهجوم على مقر القيصر، حتى وإن لم يكن داخله، لا يمكنها أن تتأتى من عنديات كييف وزيلينسكي، إذ إن واشنطن هي مَن يمليها عليهم قولاً واحداً.
عدة أسئلة معمقة يطرحها هجوم «الكرملين»، في مقدمها التساؤل عن تلك التكنولوجيا الفائقة التي مكَّنت تلك الطائرات المسيرة من الوصول إلى عرين الأسد الروسي، بعد اختراق جميع التحصينات السيبرانية الحدودية، والوصول إلى «قدس الأقداس» الروسي، إن جاز القول، وهل تمتلكها كييف بالفعل، أم أنها تدبيرات أميركية ماورائية، تحمل رسالة شديدة الوقع والقسوة موجّهة لبوتين نفسه وكبار قادته معه، مفادها: «نحن قادرون على الوصول إليكم، ولو كنتم في بروج (الكرملين) العتيدة»؟
علامة الاستفهام المثيرة للقلق بقوة داخل المؤسسة العسكرية الروسية: «ماذا لو كانت تلك المسيرات مذخرة بمواد غير تقليدية، لا سيما اليورانيوم المنضب أو ما تحويه القنابل القذرة من مكونات كارثية؟».
الشاهد أن تفسير هذا الهجوم مثير جداً، وربما مختلَف عليه، لا سيما أن هناك مَن يذهب إلى القول بعدم علم واشنطن به، ونيات زيلينسكي في توريط «الناتو» دفعة واحدة في حرب نووية عالمية.
عند لاري جونسون المحلل السابق في «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» أن زيلينسكي كان يهدف من وراء هذه الضربة، إلى استفزاز روسيا، لتقوم برد من شأنه توريط حلف «الناتو» والولايات المتحدة في الصراع بشكل مباشر.
وفي تحليلات عسكرية واستخباراتية مغايرة، فإن مثل هذا الهجوم سيوحد كلمة الروس، ويعزز من شعبية بوتين، ويعمق من عزم رجالات الدولة عسكريين وسياسيين لجهة المواجهة القادمة.
من بين الأصوات الروسية المتشددة التي ارتفعت مناديةً بتطوير العمليات العسكرية الروسية، ونقلها إلى مرحلة «الحرب الحقيقية»، سيرغي ميرونوف، النائب في «مجلس الدوما»، رئيس حزب «روسيا العادلة»، الذي اعتبر أن محاولة اغتيال بوتين، مبرر كافٍ، للقضاء على مَن وصفهم بالنخبة الإرهابية في أوكرانيا.
يعنّ لنا أن نتساءل: هل تحليلات لاري جونسون حقيقية، أم أن «الناتو» برأس حربته الأميركية، متورط من شعر رأسه إلى أخمص قدميه في المعركة القائمة والقادمة معاً؟
الجواب ليس يسيراً، لا سيما في ضوء تصريحات قادة عسكريين أوكرانيين لمجلة «بولتيكو» الأميركية، أشاروا فيها إلى أن كييف، وبعد التسريبات الأخيرة الخاصة بـ«البنتاغون»، صاروا أكثر تكتماً على خططهم، ويرفضون الإفصاح عنها للأميركيين.
يمكن للمرء أن يجد رجع صدى لهذه التصريحات، في أحاديث جون كيربي، المتحدث باسم «مجلس الأمن القومي الأميركي»، وفيها أن «الصمت قبل الإطلاق لن يكون مفاجأة، ليس لديهم التزام بإخطارنا قبل الإطلاق، أو إخبارنا مسبقاً».
ورغم ذلك، فإن كيربي لا ينفك يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تدعم العمليات الأوكرانية بمعلومات واستخبارات في الوقت الحالي، وأن ما تركز عليه واشنطن هو التأكد من أن لدى كييف كل ما يحتاجون إليه، عندما يكونون مستعدين للذهاب.
والشاهد أنه كي تكتمل الأحجية الأميركية، وما يضعف من رواية لاري جونسون، فلا بد من الإصغاء إلى رجلين؛ أحدهما يتسنم الدبلوماسية الأميركية، أنتوني بلينكن، والآخر يمثل القوة العسكرية الضاربة للولايات المتحدة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة.
بلينكن، وفي تصريحات لقناة «فوكس نيوز»، نهار الثلاثاء الماضي، يقطع بما لا يدع مجالاً للشك، بأن الجيش الأوكراني، سيشن هجومه المضاد في الأسابيع المقبلة.
أما ميلي، ففي حديثه المنشور عبر مجلة «فورين أفيرز»، يؤكد بلهجة الواثق أن الأوكرانيين لديهم الآن القدرة على القيام بعمليات هجومية، وأنه يتوافر لديهم ما يكفي من الموارد، التي نمت بشكل كبير خلال العام الماضي، كما باتوا يتمتعون بقدرة كبيرة على التخطيط والتنسيق.
عطفاً على ما تقدم، جاءت تصريحات مسؤولين أميركيين في واشنطن قبل بضعة أيام، بشأن تزويد أوكرانيا بما قيمته 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية، لتضع الجميع أمام خلاصة واحدة، وهي أن القارعة قد تكون على الأبواب قريباً جداً.
صبغة أسلحة الأميركيين هذه المرة منزوعة المسحة الدفاعية، ومُغرِقة في التوجهات الهجومية، وتشمل كميات هائلة من قذائف المدفعية ومدافع «الهاوتزر»، بجانب صواريخ جو - أرض، والذخيرة متعددة الأشكال والأنواع.
هل وصلنا إلى الاستنتاج النهائي الذي يقول إن ما يجري صراع إرادات قطبية، وإن أوكرانيا ليست سوى مخلب القط؟
هناك حقائق أولية لا بد من الإشارة إليها، وفي بواكيرها اليقين الحادث عند الروس اليوم، ومفاده أنهم أمام لحظات تاريخية مسترجعة من أضابير الزمن، بالضبط كما الحال وقت مواجهة النازي على حدود البلاد، لا سيما بعد هجوم «الكرملين»، عشية الاحتفال بيوم النصر.
الذين لديهم دالَّة على التحليل السياسي العميق يدركون عمق الجرح الذي ضرب الروس في الأيام الماضية، ويوقنون بأن الرد سيكون بقدر الخطأ الفادح الذي ارتُكب بحقهم.
الإدراك الروسي، سياسياً وعسكرياً، يفيد بأن معركة ضارية على مرمى البصر، وربما من غير منظار، وهذا ما يقطع به مؤسس قوات «فاغنر»، يفغيني بريغوجين، في تصريحه الأخير الذي يجزم فيه بأن هجوم القوات المسلحة الأوكرانية قد بدأ بالفعل.
وفي الجهة المقابلة، تبدو دوائر «الناتو» عازمة على أن تكون معركة الربيع الذي تأخر هي الفيصل في تركيع الإرادة الروسية، لا سيما في ظل جميع المساعدات العسكرية، والدعم الاقتصادي الذي قُدّم لكييف حتى الساعة، ولا توجد نية لخسارة أوكرانيا هذه المعركة الأخيرة، مهما كان حجم التكاليف أو الخسائر المنتظَرة.
أي رؤى روسية سياسية ومخططات عسكرية يتم التجهيز لها في هذه الساعات الحرجة والحاسمة؟
حكماً، تبدو معركة بوتين وبقية «جماعة السيلوفكي» من حوله بقدرة ما معركة الروس الوطنيين وجميع المتشددين السلافيين.
الأمر المخيف حتى الرعب أن تصدق قراءات ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق نائب رئيس مجلس الأمن القومي الحالي، التي أطلقها قبل أسبوعين، وفيها أنه «حال تهديد البلاد تهديداً يعرض بقاءها للخطر، فإن استخدام الأسلحة النووية وارد بقوة».
هل هو موعد العالم مع الزلزال النووي؟