عن أميركا وفخّ العنف السياسي

عن أميركا وفخّ العنف السياسي

المغرب اليوم -

عن أميركا وفخّ العنف السياسي

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

مرّةً جديدة يتعرّض الرئيس الأميركيّ السابق والمرشّح الجمهوريّ للرئاسة الأميركيّة عن الحزب الجمهوريّ لمحاولة اغتيال مؤكّدة، وبعدها بأيّام قليلة انتشرت في وسائل الإعلام الأميركيّة أنباء عن العثور على متفجّرات في سيّارة قرب حشد انتخابيّ لترمب.

أسئلة عديدة تتداعى على الأذهان من جرّاء تصاعد استهداف ترمب، وهل هي أعمال فرديّة، أم أنّها مشروعات مؤسّساتيّة، هدفها قطع الطريق على عودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض مرّة ثانية.

لا توفر أيّ رؤية تحليليّة حديث المؤامرة في الداخل الأميركي، وبتعبير آخر إستراتيجيّات الأضداد، وصراعات القوى داخل الدولة العميقة، وهذه قد لا تجد في ترمب رجل المرحلة، وهذا احتمال وارد وبقوّة، ويحمل في طياته مخاوف هائلة على حالة النسيج المجتمعيّ الأميركيّ.

غير أنّ هذا ليس حديثنا هذه المرّة، بل ما يهمّنا مناقشته هو حالة فخّ العنف السياسيّ الذي تعيشه الولايات المتّحدة هذه الأيّام، وكيف يمكن أن ينعكس سلبًا على بقيّة أوضاع النظام العالميّ القلق والمضطرب في حاضرات أيامنا.

يعنّ لنا بادئ ذي بدء القول إنّ العلاقة بين أعمال السياسة وأدوات العنف في التاريخ الأميركيّ عميقةٌ للغاية، وتعود إلى أزمنة تأسيس الدولة، ذلك أنّ العنف كان هو الأداة الوحيدة التي تمّ بها الاستيلاء على أراضي الهنود الحمر، أصحاب البلاد الأصليّين، وعليه ظلّ فكر القوّة الخشنة هو المهيمن، ولاحقًا حين تقرّر الولايات المتّحدة مغادرة مربّع الانعزاليّة، ستخلّف وراءها القوّة الناعمة، وتعمد إلى القوّة الخشنة كطريق مؤكّد لتحقيق أهدافها ورؤاها الإمبراطوريّة.

الأمر الثاني والذي يجعل العنف، سواءٌ كان سياسيًّا أو مجتمعيًّا أمرًا شائعًا وذائعًا، هو التعديل الثاني من الدستور الأميركي، أي حقّ الاحتفاظ بالسلاح وتكوين الميليشيات للدفاع عن النفس والممتلكات.

وعلى الرغم من انتفاء السبب الذي وُضِع من أجله هذا البند في الدستور الأميركيّ، لا سيّما بعد وجود حرس وطنيّ وقوّات مسلّحة قادرة على فرض الأمن في البلاد، ومنح الاستقرار للعباد، فإنّه بات كنصٍّ مقدّس، وهناك من جماعات المصالح واللوبيات من يعزّز وجود هذا التعديل، كما يرفضون الاقتراب منه، وفي المقدّمة ولا شكّ أصحاب مصانع الأسلحة الناريّة، ولو جاؤوا في المرتبة الأدنى، من الحلقة الجهنميّة الكبرى، المعروفة باسم "المجمع الصناعيّ العسكريّ الأميركيّ".

اليوم وعلى بُعد ستّة أسابيع تقريبًا من الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، يطفو التساؤل المخيف: "هل يمكن أن تشهد أميركا عنفًا سياسيًّا غير مسبوق، لا ينفكّ يضحي نوعًا من أنواع الصراع المسلّح في ربوع الوطن الواسع الفسيح جدًّا؟
بدايةً، يمكن القطع بأنّ إرث انتخابات 2020، لا يزال كامنًا في الصدور، فهناك أكثر من سبعين مليونا من الجمهوريّين الذين صوّتوا لترمب، يقطعون بأنّ ولايته الثانية قد سُرِقت، وأنّ الانتخابات قد تمّ تزويرها.

من هنا، فإنّ هؤلاء يقبلون هذه المرّة وفي نفوسهم وقلوبهم غضاضة غير مسبوقة، ويسعون لا للتنافس السياسيّ التقليديّ، والبعيد عن مآلات العنف والدماء، بل يُقْدِمون على صناديق الاقتراع بروح الصدام الأيديولوجيّ، والذي لن ينفكّ يضحي تناحرًا دمويًّا.

هل الديمقراطيّون مسؤولون بدورهم عن تأجيج هذا العنف في الصدور؟
مؤكّدٌ أنّ ذلك كذلك، وليس أدلّ على هذه المسؤوليّة من تصريحات قادة كبار في الحزب بأنّ نتيجة الانتخابات القادمة، سوف يتمّ تعديلها حتّى لو فاز ترمب بأصوات الجماهير من ناحية، وبالمجمع الانتخابيّ من جهة ثانية.. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟

باختصارٍ غير مملّ، يخطّط الديمقراطيّون لتفعيل المادّة الثالثة من التعديل الرابع عشر من الدستور الأميركيّ، والذي يقضي بحرمان أيّ مسؤول أميركيّ تنَكَّرَ لقَسَم الولاء للدستور، وشارك في أيّ أعمال عنف ضدّ الدولة أو المواطنين.

هنا يبدو بيت القصيد واضحًا تمام الوضوح، فترمب بحسب اتّهاماتهم كان وراء أعمال السادس من يناير عام 2021، لرفض تثبيت اختيار جو بايدن للرئاسة، وعليه سيتمّ حرمانه من الرئاسة ولو انتصر، ما يعني دخول أنصاره مع داعمي كامالا هاريس في مستنقعٍ دمويّ رهيب.

هل كان ترمب صادقًا حين وجَّهَ الاتّهامات صريحةً غير مريحة إلى الخطاب السياسيّ لكل من بايدن وهاريس باعتباره أحد أسباب تأجيج العنف على الأرض، بعد أن ملأ الخوف العقول والكراهية الصدور؟

خلال حواره مع موقع "فوكس نيوز" الأميركيّ، قال ترمب إنّ المتّهم بإطلاق النار "كان مؤمنًا بخطاب بايدن وهاريس، وتصرَّفَ بناءً على ذلك".

وتابع "تسبَّبَ خطابُهما في إطلاق النار عليَّ، بينما أنا الشخص الذي سوف ينقذ البلاد، وهم من يدمّرونها بالفعل".
ما الذي قصده ترمب بهذه التصريحات؟

المؤكّد أنّ بايدن وهاريس لا ينفكّان يتحدّثان عن التهلكة التي ستتعرّض لها أميركا حال فوز ترمب، وكيف أن سيضحي رئيسًا كارثيًّا يجلب نهاية الديمقراطيّة، وبداية نسف شموليّ داخليّ، كما أنّه ربّما يعرّض البلاد لنوعٍ من الصراع الداخليّ بين اليمين واليسار، ناهيك عن الزجّ بالبلاد في أتون الصراعات الدوليّة الخارجيّة.

هنا يبدو أنّ جنّيَّ العنف قد انطلق بالفعل من القمقم، وبات من القدرة أن يسرح ويمرح في الداخل الأميركي بحرّيّة، الأمر الذي يجعل من الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، منعطفًا تاريخيًّا في مسيرة أميركا الفيدراليّة، والتي تبدو إرهاصات الرفض لفكرتها الاتّحادية حاضرة في العديد من الولايات الكبرى، وبخاصّة في تكساس وكاليفورنيا.

على عتبات الربيع الماضي، صدر تقرير عن مركز "آفاق للسياسة الكنديّة"، في أوتاوا يحمل عنوان "الاضطرابات في الأفق"، وفيه تساؤلٌ عمّا يمكن أن تفعله كندا حال اشتعال الحرب الأهليّة بين الأميركيّين وبعضهم البعض غداة الانتخابات الرئاسيّة القادمة.

بدتْ هذه الفرضيّة وكأنّها مدسوسة في عمق التقرير، وقد رسم التقرير هذه الفرضيّة في 15 كلمة جاءت على النحو التالي: "الانقسامات الأيديولوجيّة في الولايات المتّحدة والتآكل الديمقراطيّ والاضطرابات الداخليّة تتصاعد، ممّا يؤدّي إلى إغراق البلاد في حربٍ أهليّة".

لم يكن هناك نقص في التنبّؤات المروّعة بشأن السياسات الأميركيّة منذ عقدٍ تقريبًا في الداخل الأميركيّ، فقد انغمست المنظَّمات غير الربحيّة ذات الميول اليساريّة، والمستشارون السياسيّون والأكاديميّون في تكهُّنات لا نهاية لها، وتمارين لعب الأدوار ظاهريًّا لمساعدتهم في الدفاع عن الديمقراطيّة، ومن الناحية العمليّة، كان الهدف إثارة النعرات السياسيّة.
تضمّنتّ إحدى الحفلات الهستيريّة في عام 2020 محاكاة لألعاب الحرب التي انتهت بتشجيع بايدن وحلفائه، ولايات الساحل الغربي على الانفصال عن الاتّحاد.

هل أميركا مرشَّحة بالفعل للسقوط في فخّ العنف السياسيّ والولوج من ثمَّ إلى بوّابات الحرب الشعبيّة الداخليّة وإعادة كتابة مراثي الحرب الأهليّة الأولى؟

لم يعد السؤال المتقدّم غريبًا على الأميركيّين أنفسهم، وإن كان الكثيرون يوارونه أو يدارونه، وبلغ الأمر حدَّ التساؤل ما هو موقف القوّات المسلّحة الأميركيّة حال انفجرت الأزمة، وبلغ السيل الزُّبَى كما يُقال؟

هنا يبدو أيضًا العالم الخارجيّ وليس أميركا الداخل فقط منشغلاً بمثل هذا العنف، ذلك أنّه وإن كان العالم يشكو ويئنّ من الحضور الأميركيّ وبما له من سطوة ونفوذ، فإنّه في حكم المقطوع به أنّ أرجاء الأرض برُمّتها ستتأثَّر تأثيرًا سلبيًّا حال القارعة الأميركيّة المتوقَّعة، إذ لا تزال الولايات المتّحدة قوّةً كونيّةً وازنةً.

هل من خلاصة؟
الخشية كلّ الخشية من دخول أميركا في سياق سيناريو "كرة الثلج".

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أميركا وفخّ العنف السياسي عن أميركا وفخّ العنف السياسي



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 14:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
المغرب اليوم -

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib