الناتو وأوكرانيا الحرب والسلام

الناتو وأوكرانيا... الحرب والسلام

المغرب اليوم -

الناتو وأوكرانيا الحرب والسلام

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

 

هل تغير المشهد الروسي - الأوكراني في الأيام الأخيرة، ما جعل الناتو ومجموعة العظماء السبع، إن جاز التعبير، في مأزق حقيقي؟
أغلب الظن أن ذلك كذلك، وبخاصة بعد أن أظهرت موسكو، ملمحاً من اليد المميتة التي تملكها، ما تمثل في الهجمات الصاروخية المكثفة التي تعرضت لها العاصمة الأوكرانية، كييف، وعدد من المدن الكبرى في أوكرانيا.
تبدو المعادلة بين موسكو وكييف مختلفة، لا سيما أن ميزان الانتباه العسكري لا يميل فقط إلى جانب موسكو، بل لا مقاربة في الأصل، حين يجد الجد.
على الأرض يبدو المشهد ماضياً في طريق من طريقين، لا ثالث لهما:
الأول: أن يقوم الناتو بالضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وإرغامه على تجرع كأس السم، المتمثل في القبول بوقف إطلاق النار، وبقرار منفرد من جانبها، كإجراء تحتمه توازنات القوة مع روسيا، التي إن مضت في مسلكها هذا سوف تتمكن في القريب العاجل من احتلال المزيد من الأراضي الأوكرانية، وبلورة، وضع قائم جديد، سيكون من الصعب التراجع عنه لاحقاً، ما يعني أن أوكرانيا سوف تخسر المزيد من أراضيها، وأوراق القوة التي تملكها.
الثاني: أن يذهب الناتو إلى أبعد حد ومد، بمعنى أن يزود الأوكرانيين بالمال والعتاد العسكري المتقدم، وربما بالجنود، واعتبار أوكرانيا في هذه الحالة، عضواً في حلف الناتو، وإن لم تكن هكذا قولاً وفعلاً.
غير أن هذا الطرح الثاني، سوف يقود حكماً، إلى توسيع دائرة المواجهة، ويبدأ مسلسل أحجار الدومينو العسكري في العرض على شاشة العالم المحتقن، حتى الوصول إلى ذروة المأساة، تلك القابعة عند معركة هرمجدون، التي تتراءى للرئيس الأميركي جو بايدن في الأيام الأخيرة، ولا ينفك يتحدث عنها.
ترى إلى أي جانب يميل الناتو وأمينه العام ينس ستولتنبرغ؟
الذين تابعوا تصريحات الرجل الأخيرة، يكادون يخلصون إلى أنه أظهر موقفاً متراجعاً عن المواجهة النهائية والحتمية مع روسيا، إذ اعتبر أن الهجمات الأخيرة من قبل روسيا، تظهر شكلاً من أشكال الضعف، ونتيجة حتمية للانتكاسات التي ألمت بـ«القيصر» بوتين في المعارك الأخيرة.
جل ما صدر عن ستولتنبرغ، يفيد بأن الحلف سيقابل بالرد أي اعتداء يقع على أحد من أعضائه من قبل روسيا.
الحديث هنا تحصيل حاصل، تحتمه المادة الخامسة من ميثاق الناتو، وبقية ما قاله كلام مكرور، من نوعية أن بوتين هو من بدأ الحرب، وأنه من يتوجب عليه إنهاؤها بسحب قواته من أوكرانيا.
غير أن التعبير الذي اعتبر زلة لسان غالية وعالية التكاليف، والذي صدر عن ستولتنبرغ، قوله إنه لا يمكن السماح لروسيا بهزيمة أوكرانيا، إذ سيعتبر الأمر بمثابة هزيمة للناتو، الأمر الذي أكد ما قاله الروس من قبل، عن الشراكة الاستراتيجية الماورائية، وإن كانت معروفة للقاصي والداني من قبل الناتو مع أوكرانيا، وكيف أن الحلفاء الغربيين هم من يؤججون نيران الحرب على أمل هزيمة روسيا، أو إضعافها على أقل تقدير.
لم يكن الناتو وحده من بات شبه متخاذل، إلا من العبارات الإنشائية، ذلك أن لقاء مجموعة السبع، لم يسفر عن إجراءات فعلية على الأرض، كما أن دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي لقادة دول المجموعة، للمساهمة في إنشاء درع جوية لصد الضربات الروسية التي تنهال على أوكرانيا، وتكثفت في الأيام الأخيرة، لم، وغالباً لن، تجد أذاناً صاغية، وفي أفضل الأحوال سيكون الحديث عن عدة بطاريات للدفاع الجوي، واحدة من ألمانيا، وأخرى من أميركا، ما لا يسمن أو يغني أوكرانيا عن جوع شبكة دفاع جوية قادرة على صد ورد صواريخ تقليدية حتى الساعة، فما بالنا حال لجأ الكرملين وقادة الحرب الروس، إلى النماذج الحديثة المجنحة والفرط صوتية التقليدية، وليس تلك الجهنمية ذات الرؤوس النووية.
يدرك قادة الناتو والسبع الكبار، أن اتساع رقعة الأرض المحروقة في أوكرانيا أمر ليس في صالح القارة الأوروبية المنهكة في الأصل، كما أن حديث القارعة النووية، لا أحد يقوى عليه، والجميع يستبعده، والدليل تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي نصح قادة الغرب بعدم تضخيم الحديث كما فعل الرئيس بايدن، أو ترويج الكلام ضمن حملة الانتخابات الخاصة بالتجديد النصفي للكونغرس.
ولعله من المصادفات القدرية، أن مسؤولين كباراً في البيت الأبيض شعروا بدورهم بحرج بالغ من تصريحات بايدن، وبخاصة بعد أن أقر ستولتنبرغ بأنه لا توجد تحركات نووية روسية على الأرض.
هنا وحال استمرت روسيا في تعظيم ضرباتها في مواجهة أوكرانيا، سوف يفر ملايين جدد على الدول الأوروبية المجاورة، الأمر الذي سيتسبب في كارثة إنسانية لأوروبا التي تعاني اليوم من أزمة طاقة ربما لم تعهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
في المشهد غضبة واضحة من الشعوب الأوروبية، ولافتات تُرفع متسائلة، مخلصة الأسئلة والبحث عن الجواب: «أي فائدة تعود علينا من دعم المشروع الأميركي المعادي لروسيا، الذي ندفع نحن ثمنه الباهظ، في حاضرنا ومستقبلنا»؟
على الجانب الروسي وبعد الضربة الصاروخية المكثفة، نجد موسكو تعزف على أوتار الترحيب بالمفاوضات، رغم توقعها المزيد من المواجهة مع الغرب، وكأني بها تعيد نسخ رواية الروسي الأعظم، الكونت ليو نيقولايفيتش تولستوي، «الحرب والسلام».
يفتح لافروف الباب أمام لقاء محتمل بين بوتين وبايدن في قمة العشرين القادمة، في حين تختفي غواصته ليوم القيامة، في انتظار تطورات المشهد على الأرض.
هل سيحصل الناتو من جراء رمي النرد الأوكراني على عيني الأفعى أم السبعات أو الأحد عشرات؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الناتو وأوكرانيا الحرب والسلام الناتو وأوكرانيا الحرب والسلام



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib