«بريكس بلس» وعالم ثلاثي الأقطاب

«بريكس بلس»... وعالم ثلاثي الأقطاب

المغرب اليوم -

«بريكس بلس» وعالم ثلاثي الأقطاب

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

ضمن تغيرات ملامح ومعالم خريطة توازنات القوى الدولية، يمكن الحديث عن حال القطبية الدولية، فربما كانت الحرب الروسية – الأوكرانية، منطلقاً لعالم مغاير.
هل صدق إذن كارل ماركس حين قال «إن الحرب قابلة التاريخ»؟
يبدو تجمع «البريكس بلس» الذي صدرت بشأنه إشارات واضحة الأيام الماضية، وكأنه بداية لإرهاصات قطب جديد أفرزته الحاجة الأممية، ليطفو على سطح الأحداث، وليشارك في تغيير الصورة النمطية الثنائية التقليدية، ما يعني صدقية رؤية ريتشارد هاس منظّر السياسة الخارجية الأميركية الشهير، عن عالم متعدد الأقطاب وهو ما ذهب إليه منذ العام 2008.
عام 2001، صاغ جيم أونيل الرئيس السابق لشركة «غولدمان ساكس» مصطلح BRIC في وصفه للأسواق الدولية الكبرى الناشئة، وقد كانت البرازيل وروسيا والهند والصين، ولاحقاً انضمت إليها جنوب أفريقيا فأصبحت BRICS.
باختصار مفيد، تبدو اقتصادات دول «البريكس» واعدة؛ إذ يشكل عدد سكان هذا التجمع الذي بدأ اقتصادياً نحو 40 في المائة من سكان العالم، ومساحته الجغرافية 27 في المائة من مساحة اليابسة.
ولعله من المثير للتأمل أن الناتج الإجمالي لدول «البريكس» يتجاوز نظيره لدى دول مجموعة السبع الكبار، الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، وفرنسا، وكندا. أفرزت الأزمة الروسية – الأوكرانية، من بين ما أفرزت، علامات اقتصادية تستدعي معين القلق الأممي، وربما الذعر من الرهانات المطلقة اقتصادياً على الولايات المتحدة وأوروبا اقتصادياً، فقد جاءت سياسات المصادرة والتحفظ وتجميد، بل والاستيلاء على الأرصدة الروسية، ومصادرة استثمارات الروس، لتطلق موجة من الخوف المصحوب بتساؤلات عميقة وجذرية عن احتمالات تكرار المشهد، مع دول أخرى، حال تشارعها أو تنازعها مع العم سام بنوع خاص.
الهلع المتقدم وجد في تجربة الرئيس فلاديمير بوتين، بيع النفط بالروبل، حتى وإن كانت تجربة مشروطة بظروف الحرب، وموقوتة بانتهائها، مساقاً يمكن التفكير فيه إن لم يكن التعويل عليه، ومن هنا عاد البحث في فكرة سلة العملات الأجنبية، وفي المقدمة منها الروبل الروسي، واليوان الصيني، وربما الين الياباني في مرحلة لاحقة؛ ما يعني أن سطوة نظام بريتون وودز، التي استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة، لن يقدر لها المضي طويلاً في القبض على مصائر الأمم والشعوب.
تصريحان صدرا من بكين وموسكو الأيام الفائتة يلفتان النظر إلى تطورات قطبية تجري بها المقادير وتستحق المتابعة والاهتمام.
في 25 مايو (أيار) المنصرم، قالت الصين، إنها تقترح بدء عملية توسيع مجموعة «بريكس»، لتشمل الدول التالية: مصر، والأرجنتين، وإندونيسيا، وكازاخستان، ونيجيريا، والإمارات، والسعودية، والسنغال، وتايلند.
أسماء تلك الدول تشي بقوة كبرى اقتصادية قادمة، وحال حساب تكوينها الديموغرافي، وحضورها الجغرافي، عطفاً على مقدراتها العسكرية، يخلص المرء إلى أن فكرة دول «البريكس»، تكاد تتحول إلى تجمع قطبي... «بريكس بلس»، حكماً سيضحى علامة فارقة قادمة لا محالة.
«بريكس بلس» لا يعني بالضرورة قطباً دولياً مناوئاً للغرب، بل ربما فرصة للبحث في مسارات التنمية، وإتاحة هامش من الاستقلال عن المركزية الأنتروبية التقليدية خلال المائة عام الماضية.
في توقيت مقارب، وبالتحديد في 27 مايو الماضي، أعلن الرئيس بوتين، أن المفاوضات جارية بشكل نشط لإبرام اتفاقية تجارة حرة كاملة مع إيران، وفي الوقت نفسه أكد «القيصر» ضرورة القيام بمفاوضات مماثلة مع مصر والإمارات وإندونيسيا.
تصريحات بوتين جاءت خلال كلمته في اجتماع المجلس الأعلى الاقتصادي الأوراسي، وضمن تصريحاته شدد بوتين على أهمية توسيع التعاملات التجارية بالعملات الوطنية مع الدول الصديقة، وأكد أن ذلك سيسمح لدول الاتحاد بتقليل الاعتماد على الدول الغربية.
لم يفت سيد الكرملين إرسال إشارة لدول الناتو التي صادرت وجمّدت أصول بلاده، معتبراً أن سرقة الآخرين لا تؤدي أبداً إلى الخير. تبدو فكرة الاستقلالية الأممية مسيطرة إلى حد الهيمنة على عقل بوتين، سيما أن لديه إيماناً لا يدانيه الشك بأنه فات الزمان والأوان لفكرة شرطي العالم، الذي يمنع ويمنح، مستخدماً ذهب المعز وسيفه، وأنه ما من قوة عالمية قادرة على وقف عمليات التحول والتبدل والاستقلال الجارية بها ديالكتيك كوني منذ بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. لم يشعر الروس براحة كبيرة للطرح الصيني أول الأمر، وهنا يمكن النظر إلى الأمر من خلال مشهد التنافسية الأممية المعقول والمقبول.
غير أنه وفي كل الأحوال، تبدو هناك فرصة بشكل أو بآخر لنشوء وارتقاء تجمع سياسي - اقتصادي في بادئ الأمر، والنظر لاحقاً في شؤون وشجون التعاون العسكري. تستدعي أحوال العالم تعددية مغايرة لعالم الثنائية التقليدي، ومؤسسات أممية قادرة على التعامل بواقعية مع معطيات القرن الحادي والعشرين، وبعيداً عن موروثات الحرب العالمية الثانية.
يحتاج نظام العالم المتعدد الأقطاب إلى قوالب مختلفة عن تلك التي خدمت نظام القطبين الذي ساد طوال الحرب الباردة، تلك القوالب التي لم تتغير، وقادت العالم إلى حالة من حالات الانسداد التاريخي، وعلى غير المصدق أن ينظر إلى حال مجلس الأمن الذي يعمه الشلل الخماسي من جراء فكرة حق النقض أو الفيتو.
الحديث عن «بريكس بلس» وما شابه من تجمعات جديدة، فرصة ذهبية للكثير من الدول لتعزيز مواقفها التفاوضية في عملية تشكيل نظام عالمي جديد... نظام لا يعرف المفهوم الحدي، ولا الاختيارات الجبرية بين الذين معنا والذين ضدنا، بحسب بوش الابن في لحظة مظلمة من تاريخ عالمنا المعاصر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بريكس بلس» وعالم ثلاثي الأقطاب «بريكس بلس» وعالم ثلاثي الأقطاب



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 21:24 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:02 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 07:57 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هافانا ذات الجو الحارّ غارقة في التاريخ ونابضة بالحياة

GMT 06:44 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا..!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib