«الناتو» يوبيله الماسي وفاقي أم شقاقي

«الناتو»... يوبيله الماسي وفاقي أم شقاقي؟

المغرب اليوم -

«الناتو» يوبيله الماسي وفاقي أم شقاقي

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

على عتبات الخامسة والسبعين من عمره، يبدو التساؤل الذي تلهج به بالألسنة شرقاً وغرباً: «ماذا عن مستقبل حلف (الناتو) في يوبيله الماسي، لا سيما في ظل المنعطف الأوكراني الخطير الحالي؟

الشاهد، أن الراوي للتاريخ الروسي، يمكنه أن يجيب من دون تردد بالقول: «إذا تحققت الأهداف الروسية في أوكرانيا، فإن ذلك سوف يؤدي إلى حدث من نمط (مؤتمر يالطا)، جديد، بمعنى نشوء بنية هيكلية أمنية لعالم جديد، وساعتها ليس من المؤكد أن يبقى حلف شمال الأطلسي على الحال والهيئة اللتين نشأ عليهما، ليشارك في مثل هذا السباق في عالم متحول».

هل أعطت الحرب الروسية - الأوكرانية قُبلة الحياة، أم على العكس، وضعت «الناتو» أمام قدره المحتوم، بالوصول إلى زمن الافتراق؟

في الفترة ما بين 2017 و2020، عدّت قوى أوروبية عدة، وفي مقدمها فرنسا، أن «الناتو» يعيش حالة من الموت السريري، والتعبير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أما السبب فقد وقف وراءه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وسياساته التي سعت إلى تحميل الأوروبيين قسماً بالغاً من تكاليف بقائه.

غير أن المواجهة مع روسيا بوتين، رسمت في الأفق علامات تحدٍ جسيمة بشأن ملاءمة الحلف للبقاء طويلاً، وبخاصة في ظل المخاوف من تبعات «السير الوئيد»، إثر السياسات الأميركية بعامة، والمآلات المستقبلية إذا قدّر لترمب العودة إلى البيت الأبيض من جديد.

يتساءل العقلاء من الأوروبيين، نخباً وعواماً، عن حساب البيدر من جراء شراكة «الناتو»، وما إذا كانت قد عادت عليهم بالكثير من الفائدة، أم أنهم تحمّلوا أعباء بالغة التعقيد في الماضي، وتبدو أكلافها متصاعدة في المستقبل القريب.

لم يعد خافياً على أحد، أن هناك وضمن الصفوف الأوروبية من يعتقد جازماً أن واشنطن باتت تستخدم الأوروبيين كرأس حربة في مواجهة القيصر بوتين، وكأن العم سام، قد خشي ولا يزال، من أن يستيقظ ذات صباح ليجد «الحلف الأوراسي»، تلك الفكرة النظرية التي حلم بها الكبار في أوروبا من أمثال شارل ديغول، قد تحول واقع حال يجمع الآسيويين مع الأوروبيين.

أظهرت المواجهة العسكرية بين موسكو وكييف، اهتزاز صورة الحلف، وأبرزت تشققات في بنيته التكتونية، وهيكله العسكري، عطفاً على الوضوح في خلافات بين دوله الأعضاء، مع عدم قدرته على وضع سياسة دفاعية مشتركة في مواجهة روسيا من جهة، وقصوره عن تلبية احتياجات أوكرانيا العسكرية من جهة ثانية.

وعلى جانب ثالث، باتت يد «الناتو» مرتعشة عن إمداد الأوكرانيين بأسلحة هجومية ساحقة؛ بسبب طبيعة الرد الروسي المحتمل؛ الأمر الذي جعل كييف في الوقت الحاضر في مأزق، فلا تُركت تدبر شؤونها في هدوء ومن غير إثارة حنق أحفاد القياصرة، ولا أكمل «الناتو» تجهيزاته لهزيمة دولة نووية، وهو ما لا يمكن حدوثه إلا إذا قبل الجميع بخيار شمشون، حيث لا منتصر ولا منكسر، بل موت ودمار نووي للجميع.

هل وقع «الناتو» في «فخ مفصلي»، يتعلق بأيامه المقبلة؟

بالرجوع إلى تصريحات السيد ينس ستولتنبرغ، الأمين العام للحلف، ووعوده بتقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، نجده يبدو كمن يخشى من مخططات بوتين المستقبلية، ورهاناته حول الاستيلاء على المزيد من الأرض؛ ما يعني أن أوروبا والحلف معاً في خطر.

غير أن هناك ما تجنب الرجل الاقتراب منه، هو حديث الذرائع المقبولة والمعقولة، التي تدفع بوتين للزحف من جديد، نحو دول أوروبا الشرقية، وربما في مقدم تلك الأسباب، المخاوف السياسية الناجمة عن الإصرار على ضم أوكرانيا للحلف، بعد السويد وفنلندا، أما القلق العسكري فمنشأه تزويد الأوكران بأسلحة تصيب سويداء الأمن القومي الروسي، ناهيك عن تحول فكرة إرسال قوات من «الناتو» إلى كييف وضواحيها؛ ما جعل الروس يهددون بأن التوابيت سوف تطير قريباً إلى أوروبا غرباً.

هل الافتراق مقدم على الوفاق في حال «الناتو» مستقبلاً، وبخاصة من جانب الجبهة الأوروبية؟

المؤكد أنه ليست الجيوش فحسب التي تمشي على بطونها، بل الشعوب كذلك، ولهذا نجد انزعاجاً أوروبياً واضحاً لجهة المحافظة على الدعم المالي المستنزف لأوروبا على الجبهة الأوكرانية.

وليس سراً أن هناك حالة من الرفض العلني والمستتر أميركياً، لمزيد من الإنفاق على الحرب العبثية الدائرة في أقصى الشرق الآسيوي، في حين تعجّ كبريات المدن الأميركية بالمشردين والمدمنين ومن ليس لهم أحد يذكرهم، وعليه يجد المرء في موقف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إرهاصات لموقف وربما مواقف أوروبية قادمة، تتطلع إلى حل سلمي للأزمة الأوكرانية، غير أن بروكسل، وعلى حد تعبير الزعيم المجري اليميني، عاجزة عن تحقيق هذا التطلع بسبب اختراق أنصار الملياردير الأميركي جورج سوروس مؤسساتها.

هل في المشهد تمرد ولو على خجل اليوم، على «الناتو» كوجود، وفي الغد يمكن أن يرفع بُرقع الحياء، وما يقال همساً الآن في المخادع الأوروبية، غداً سينادى به من فوق السطوح؟

مؤكد جداً أن البعد الآيديولوجي، وهو حجر الزاوية الذي قام عليه «الناتو»، أي مجابهة الشيوعية، لم يعد يحتل حيزاً كبيراً من المخاوف، في أدمغة الأوروبيين، الذين يدفعون أكلافاً عالية وغالية لمخططات الأميركيين الاستراتيجية. ويكاد قسم كبير من الأوروبيين أن يؤمن بأن هناك مخططاً خفياً لـ«الناتو»، يسعى في طريق تفكيك روسيا، بالضبط كما جرى مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، والدليل تاريخياً هو أن الاتحاد السوفياتي عام 1954عرض إبرام سلام أبدي مع أميركا، وفي 1994، كرر يلتسين الطلب، مطالباً بأن تنضم روسيا لـ«الناتو» قبل دول أوروبا الشرقية، وفي لقاء بوتين الأخير مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون، كشف عن محاولة مماثلة في بدايات عهد بوتين، وفي جميعها رفضت واشنطن.

باختصار مفيد، «الناتو» هو مخلب القط الأميركي لتحقيق فكرة القرن الأميركي ولو على حساب روسيا اليوم والصين غداً، ما يفتح المجال لاحتمال انشقاق أوروبي على بقاء فكرة «الناتو» مرة وإلى الأبد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الناتو» يوبيله الماسي وفاقي أم شقاقي «الناتو» يوبيله الماسي وفاقي أم شقاقي



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 11:20 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
المغرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل

GMT 14:45 2016 الجمعة ,15 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني بطلة جي مورجان للإسكواش للمرة الأولى

GMT 05:25 2015 الأربعاء ,14 كانون الثاني / يناير

11 حالة إغماء داخل مؤسسة تعليمية في تمارة

GMT 11:44 2014 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

عمر القزابري يحيي حفل تأبين الوزير الراحل باها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib