اختبار الدولة الوطنية العربية

اختبار الدولة الوطنية العربية!

المغرب اليوم -

اختبار الدولة الوطنية العربية

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

الحرب التى باتت إقليمية فى المنطقة العربية الشرق أوسطية تشكل اختبارًا للدولة الوطنية العربية؛ بل لعلها تشكل خطرًا على أمن وسلامة الدول وتماسك مجتمعاتها ومسار التنمية والإصلاح والتقدم المطلوب منها. جزء من الاهتمام بالقضية هو أن الاختبار والتهديد من الدول الإقليمية قام على اختراق دول عربية مستقلة وذات سيادة، واستغلال انقساماتها العرقية والدينية والمذهبية، وتحويلها إلى أشباه دول يوجد فيها هيكل الدولة المعروف من رئاسة إلى برلمان والمقعد فى الأمم المتحدة. ولكن هذا الهيكل يصير ورقيًّا مع توزيع القوة العسكرية فى المجتمع؛ فالجيش الوطنى يصير هامشيًّا ويذيع كما ذكر «أمل دنقل» سابقًا فى أعياد الفطر والجلاء. الواقع يصبح انقلابًا سلميًّا على السلطة السياسية من خلال تنظيم «إلهى» يحمل اسم «حزب الله» أو اسم تركيبة أخرى تحتوى على أمر إسلامى أو شعبى يحمل شهادة «المقاومة» و«الممانعة» و«التصدى والصمود». الصفات كلها فيها تعريض بالسلطة القائمة التى تصبح متهمة بأنها لا تقاوم ولا تمانع ولا تتصدى ولا تصمد؛ بينما فى الواقع أنها أولًا تسعى إلى تحقيق طموحات شعبها فى التنمية والتقدم والرفعة؛ وثانيًا أنها تحمى أمن البلاد فى الداخل والخارج؛ وثالثًا أنها تبنى علاقات دولية تكفل لها الموارد الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية. النتيجة باتت تغييرًا جوهريًّا فى بناء الإقليم العربى والشرق أوسطى، حيث باتت دول عربية منكسرة تقودها ميليشيات سرقت بالقوة سلطة استخدام السلاح واتخاذ قرارات الحرب والسلام. الحالات واضحة فى سوريا ولبنان والعراق والسودان وليبيا واليمن، وفلسطين، التى لم تستقل بعد، جرت قسمة كيانها السياسى الحالى بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

الظاهرة ليست جديدة، فقد تفاقمت آثارها طوال عقدين، واستفادت الميليشيات كثيرًا من «الربيع العربى» المزعوم، واعتمدت أكثر على دولة إيران فى التسليح وفرض الشرعية والدعاء للوحدة الإسلامية حسب «الفصيل» و«الساحة» وظروفها الخاصة. ولكن نتائجها تنكشف عن نتائج سلبية فى معظمها برزت كثيرًا فى حرب غزة الخامسة وتفريعاتها فى لبنان واليمن والعراق وسوريا وليبيا؛ أما السودان فهى حالة خاصة عندما تتمرد قوة عسكرية على الجيش الوطنى وتخلق صراعًا بينهما ولا تستثنى شخصًا ولا ساحة من التدمير.

.. أولى السلبيات هى فشل إدارة الصراع مع إسرائيل، وبعد أن كانت غزة محررة، فإن الاحتلال عاد؛ وبعد أن كانت غزة ولبنان تتمتعان بقدر من السلام والبناء، فإنهما جرى التدمير فى الأولى، وتنتظره الثانية فى تدمير الجنوب، مع احتمالات الزحف حتى بيروت. بنك الأهداف الإسرائيلية لا يستثنى سوريا ولا العراق ولا اليمن، حيث الأولى والأخيرة انكسرت فيها الدولة الوطنية، وانقسمت إلى قطاعات سياسية توجد فيها أشكال متعددة من النفوذ الخارجى. وثانية هذه السلبيات أن الأمر فى المنطقة بات أشبه بالمحرقة، التى تنتظر إيران لكى يزيد اشتعالها إذا اشتركت؛ وفى كل الأحوال سوف يزيد الدمار إذا لم تفعل. وثالثتها أنه لا يبدو حتى الآن وجود قيادات قادرة على إخراج الميليشيات من مأزقها من داخلها ولا خارجها، وبالتأكيد من خلال جهود الولايات المتحدة، التى دخلت إلى مرحلة السكون الانتخابى. أكثر من ذلك أن واشنطن لا تتردد فى مزيد من تقديم العون إلى إسرائيل مادامت الطلقة الأولى جرت من طرف آخر له صفات «إرهابية»، وهو أمر ينطبق على «حماس» و«حزب الله» فى واشنطن وحلفائها.

ولكن حسن الحظ والأقدار لم تجعل دول الميليشيات وحدها فى الساحة، ولكن صاحبها صمود الدول الملكية فى الخليج والأردن والمغرب فى وجه «الربيع العربى»؛ ومن بين الجمهوريات مصر، لكى تحافظ على الدولة الوطنية، وتقوم بعمليات إصلاح ضرورية لتلافى ما كان من قصور تسللت من خلاله الجماعات الفوضوية، التى لا تعرف لنفسها هدفًا، والجماعات الدينية التى لديها مشروعها الخاص. أخذت المسيرة أشكالًا متعددة نحو الإصلاح والبناء والسلام والتغيير الاقتصادى والاجتماعى. ولا يلخص الموقف الجديد لهذه المجموعة من الدول قدر ما جرى من احتفال الدولة الوطنية السعودية، قبل أسبوع، بالعيد الوطنى الرابع والتسعين. ما جرى تداوله للاحتفاء كان معدلات النمو الكبيرة والسريعة؛ وقدرات الأداء لرؤية السعودية ٢٠٣٠، والتنويع فى الاقتصاد وموارده، بحيث يتراجع الاعتماد المخيف السابق على النفط. وفى الدولة الوطنية السعودية جرى استيعاب الشباب والمرأة، وانتهت الغربة الشيعية، وانتقلت البلاد إلى مرحلة تختلف جذريًّا عن كل المراحل السابقة، التى عُرفت بالمحافظة والتقليد والتشدد والتزمت. مصر نموذج آخر رغم الصعوبات العديدة التى ولّدها عهد الثورات والإخوان والزيادة السكانية، التى رفعت عدد المصريين عشرين مليونًا خلال عشر سنوات؛ فإن مصر خرجت من الاحتباس فى وادى النيل إلى البحار والسواحل والبحيرات، ومن البر إلى البحر، وفى العموم تضاعف المعمور المصرى رغم التحديات الكبيرة للإرهاب والجائحة والأزمات الدولية والإقليمية. الإمارات العربية المتحدة شكلت نموذجًا ثالثًا ومبكرًا عن سابقيه عندما تكون أولًا نموذج دبى، التى جلبت تجربة سنغافورة إلى المنطقة العربية؛ ثم ثانيًا نموذج أبوظبى، الذى تبنى اقتصاد السوق والتنوع الإنسانى والتسامح مع أديان ومذاهب مختلفة ومتابعة كل ما هو جديد فى العلوم والتكنولوجيا. الأردن والمغرب قاما بعمليات إصلاحات داخلية تجاوزت قلق الشباب، ورعونة الإخوان والتنظيمات الدينية. هذه النماذج كان لها صداها فى بلدان الخليج المختلفة، حتى باتت هناك تسع دول عربية تتبنى السعى والتدعيم لفكر الدولة الوطنية فى تجديد الفكر الدينى والسعى إلى إقامة إقليم قائم على السلام والتنمية والبناء.

لم تكن هناك مصادفة أن مصر وقطر كانتا الوسيطين العربيين مع الولايات المتحدة للسعى نحو وقف إطلاق النار فى غزة لأن كلًّا منهما على طريقتها اكتسبت خبرة فى التعامل المعقد للمفاوضات. ولم تكن هناك مصادفة أيضًا أن هذه المجموعة من الدول كانت على رأس دول العالم فى تقديم العون للفلسطينيين، وهى تقدمة أيضًا للبنانيين الآن، بعد أن انفتحت الجبهة اللبنانية على آخرها. نموذج الدولة الوطنية كان هو الفاعل فى الحرب بالسعى الدائم للتسوية، وفى السلام من حيث التعاون الاقتصادى والسياسى. القضية الآن أن دائرة الحرب توسعت لكى تشمل لبنان إلى جانب غزة، ومن الواضح أن إسرائيل مصممة على قص أجنحة حزب الله وقياداته. الفكرة الإسرائيلية منذ بداية «الصدام المحسوب» بين حزب الله وإسرائيل قامت على اغتيال القيادات اللبنانية، حتى بلغت قبل انفجارات البادجير ٣٠٠ قيادة، كما فعلت مع القيادات الفلسطينية من قبل، ومن بعدها بدأ الزحف على الجنوب اللبنانى. المعضلة هنا أن إسرائيل تبحث أساسًا فى المواجهة مع إيران، ولم تتوقف عن القيام باستفزاز طهران بكافة الطرق، التى لم تبدأ باغتيال رئيس المكتب السياسى لحماس، بل سبقته بمراحل، ولم تنته بعمليات التفجير فى المناجم المعدنية. ما فعلته إسرائيل فى إيران يضعها فى اختبار مخيف، فهل تستجيب للانزلاق الذى تضعها إسرائيل فيه إلى حرب إقليمية؛ أم تصمت على مهانة أقوى حلفائها؟!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اختبار الدولة الوطنية العربية اختبار الدولة الوطنية العربية



GMT 15:57 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

سوريا بين المستقبل و«الحكم الأصولي»

GMT 15:55 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

سوريا.. أى مسار مستقبلى؟

GMT 15:52 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الملاذ

GMT 15:50 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وبقيت للأسد... زفرة

GMT 15:47 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

شرق أوسط جديد حقًّا

GMT 15:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

قرطاج «ما أحلى الرجوع إليه»!

GMT 15:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عن لغة القرآن

GMT 15:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

انتصار الديمقراطية!

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:41 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
المغرب اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 08:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 09:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
المغرب اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
المغرب اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد

GMT 19:20 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

بوسفيان يغيب عن قمة الرجاء والجيش

GMT 15:57 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 23:12 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

زيدان يفاجئ الجمهور برحيله عن ريال مدريد

GMT 21:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

بركان تهزم لوندا سول بكأس الكاف

GMT 14:23 2022 الجمعة ,21 تشرين الأول / أكتوبر

يوفنتوس في اختبار جديد ضد إمبولي في الدوري الإيطالي

GMT 00:02 2021 الخميس ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جمهور الرجاء يوجه طلبا خاصا لرئيس النادي عقب هزيمة أسفي

GMT 11:29 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

شرطة أغادير تتأهب لتأمين احتفالات رأس السنة

GMT 17:19 2019 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

نوريتش سيتي يفقد جهود جودفري 6 أسابيع بسبب الإصابة

GMT 19:50 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الشرطة الإسبانية تصادر أقنعة ميسي عقب الكلاسيكو

GMT 11:09 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

ماني ينافس ماديسون على جائزة لاعب الشهر في البريميرليج

GMT 00:03 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الفيلم المغربي "آدم" ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان قرطاج 2019
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib