شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٤

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٤)

المغرب اليوم -

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٤

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

 

يوم ٣١ أغسطس ١٩٧٤ كان آخر أيامى الإلزامية فى القوات المسلحة بعد أربع سنوات من التحاقى بها جنديًّا حتى أصبحت رقيبًا فى وحدة مقاتلة شهدت حرب أكتوبر، والآن أصبحت من جماعة الاحتياط الذين يمكن استدعاؤهم لأداء الواجب. لم يحدث ذلك إلا مرة واحدة فيما بعد، ولكن الحياة المدنية بدأت فى اليوم التالى عندما ذهبت إلى وزارة السياحة التى كانت تطل على ميدان التحرير.

كانت هيئة «القوى العاملة» قد رست بى فى الوزارة التى لم تكن تعرف ما الذى تفعله بى على وجه التحديد. بعد شهر رسا بى الحظ مرة أخرى إلى وكالة الوزارة لشؤون التخطيط والمتابعة، ولكن لم يمض شهر واحد إلا وكانت الصدفة البحتة تضعنى فى مسار الصديق الحميم إبراهيم كروان، رحمه الله، قرب سينما مترو بوسط القاهرة لكى يخبرنى أنه يعمل فى هيئة التحليل السياسى بوزارة الإعلام بقيادة الشاب وقتها د. على الدين هلال، ولما كانت لا تزال فى طريق التكوين فإنه سوف يكون مستحبًّا اللحاق بها.

وقد كان ذلك ما تم عندما التقيت بمن صار صديقًا حميمًا على مر نصف قرن. كان فى ذلك الكثير من تصحيح سريع للمسار الشخصى من السياحة إلى أبواب السياسة الواسعة؛ ومنها إلى الدراسة الدقيقة للصراع العربى الإسرائيلى، فقد كان وزير الإعلام وقتها د. كمال أبوالمجد، وكان هو الذى أنشأ الهيئة المذكورة لأنه كان يرى أن وظيفة الوزير ليست فقط أن يقوم بمهام وزارته، وإنما لا بد أن يكون ملمًّا بكل ما يخص الشأن العام، ولم يكن هناك شأن عام وقتها قدر «إزالة آثار العدوان» والتعامل مع قضايا مصر الملحة.

على مدى الشهور التالية تجمعت مجموعة من الشباب أكثرهم من خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذين شهدوا مظاهرات فبراير ١٩٦٨، ومن بعدها ١٩٧٢؛ والذين كان لديهم شغف شديد بالسياسة فى مجملها تحت القيادة الرشيدة ومعها أستاذنا السيد ياسين.

بدأت أول تجربة للتحليل السياسى المتعلق بالأحداث الجارية التى تقدم تقديرات سياسية مباشرة لصانع القرار والذى كان وقتها وزيرنا، أما مجلس الوزراء فقد كان يتلقى تقريرًا أسبوعيًّا يلخص الأحداث ويحللها ويقدرها. كنا نبدأ العمل من الصباح المبكر فى الثامنة ولا نغادر المكان قبل منتصف الليل؛ وفى أوقات كان الوزير يمر بنا قبل الانتهاء لكى يتناقش معنا، وذات مرة قال إن ذلك يرفع روحه المعنوية.

وبعد أقل من عام كان الوزير قد ذهب وحل محله الأستاذ يوسف السباعى الذى كان لديه معضلة فى استيعاب ما الذى تقوم به هيئة التحليل السياسى! ولحسن الحظ أن الأستاذ السيد ياسين عُين وقتها مديرًا لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذى قام بتعيين إبراهيم كروان أولًا ثم أنا ثانيًا وبعد ذلك تم نقل الجميع من مبنى ماسبيرو إلى مبنى الأهرام.

الالتصاق المباشر بالأحداث السريعة الجارية بعد حرب أكتوبر واكبه تغيير كبير فى توجهى الأكاديمى. أثناء فترة تجنيدى سجلت لدرجة الماجستير ووقتها قررت أن تكون الأطروحة عن «الفكر السياسى لعبد الله النديم» مفكر وخطيب الثورة العرابية، وكان مشرفًا عليها العظيم د. عز الدين فودة الذى تعلمت منه فى هذه الفترة الكثير فى أمور السياسة والثقافة.

كانت قضيتى وقتها كيف نتعلم من دروس الماضى، ولكن الخبرات الجديدة أكدت على أن القضية كيف نتعامل مع الحاضر ونعد أنفسنا للمستقبل. كان الماضى يمدنا بالكثير من الهتافات، ويدخل فى وجداننا السخط والغضب على العالم غير العادل الذى نعيش فيه؛ ولكن الفكر السياسى الذى دخلنا إليه أصبح «كيف نتعامل معه»؟ كنا قد شهدنا المظاهرات والحرب ووقتها كان التعقيد يحيط بكل شىء من اتفاقيات الفصل بين القوات إلى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطينى.

ووقتها فى مركز الأهرام أخرجت ثلاثة منتجات تخص الصراع: كتيب «وثيقة كوينج وعرب الأرض المحتلة»، وفصلًا عن «السياسة الخارجية لمنظمة التحرير» فى كتاب حرره د. على الدين هلال صدر عن معهد الدراسات العربية، ومع د. مصطفى علوى أخرجنا كتاب «مصر وأمريكا» وصدر عن مركز الأهرام بمناسبة زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون إلى مصر.

كان الكتاب يمثل حصادًا منذ ١٩٥٢ حتى وقت صدوره؛ كانت أمريكا ودورها أكبر من نيكسون «بتاع الووتر جيت» التى كتبها أحمد فؤاد نجم وغناها الشيخ إمام. وعرفت ذلك بعد سنوات خمس وما هو أكثر بينما أعد رسالتى للدكتوراه عن «الولايات المتحدة وأزمة أكتوبر ١٩٧٣ فى الشرق الأوسط». بات الصراع يحتاج فى التعامل معه لكثير من المعرفة والعلم والتفكير الاستراتيجى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٤ شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٤



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:41 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
المغرب اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 08:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 09:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
المغرب اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 10:24 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
المغرب اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 13:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن مسيرته الفنية
المغرب اليوم - خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن مسيرته الفنية

GMT 17:10 2017 الإثنين ,24 إبريل / نيسان

مصطفى قمر ضيف غادة عادل في "تعشب شاي"

GMT 07:37 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

الأناقة تغيب عن ملابس الرجال في أسبوع موضة لندن

GMT 20:46 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

أخطاء يفضل تجنبها في ديكور المنزل العصري

GMT 10:58 2021 الثلاثاء ,13 تموز / يوليو

ريال مدريد يتحرك لضم موهبة برشلونة خاومي جاردي

GMT 20:19 2018 الأربعاء ,13 حزيران / يونيو

الكشف عن أسباب تراجع أسعار النفط عالميًا

GMT 15:58 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

محمد أوزال يكشف عن سعادته بثقة الرجاويين

GMT 06:17 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"Pop.Up Next" السيارة الطائرة بمقصورة الركاب المميزة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib