بقلم - عبد المنعم سعيد
كان فارق التوقيت بين القاهرة وشيكاغو يوم 6 أكتوبر 1981 سبع ساعات؛ وفى الساعة الخامسة صباح ذلك اليوم استيقظت فى مدينة «ديكالب» التى تقع فى ضواحى الأخيرة، وكما هى العادة بادئا اليوم بمتابعة الأخبار فى القنوات التلفزيونية باحثا عما يخص مصر. وقبل أن يكتمل للعقل صفاؤه كان «بيتر جننج» المذيع الأشهر لشبكة ABC التلفزيونية يقول إنه جرت فى القاهرة محاولة لاغتيال الرئيس المصرى أنور السادات أثناء العرض العسكرى احتفالا بنصر أكتوبر 1973. بالنسبة للأمريكيين كان الخبر هاما عن زعيم حفر لنفسه مكانة عالمية عالية بمبادرته الجريئة للسلام مع إسرائيل. المبادرة لم تكن الذهاب إلى إسرائيل فقط، ولكن سرعان ما باتت سلسلة من الأعمال لمفاوضات كامب ديفيد ومعاهدة السلام ومفاوضات الحكم الذاتى للفلسطينيين واستضافة الإمبراطور الإيرانى الشاه محمد رضا بهلوى وغيرها، أمور جعلته محط إعجاب الساسة والمواطنين الأمريكيين، ومعهم الإعلام الأمريكى الذى تقدم كثيرا وقتها لدرجة أن ينقل بسرعة عملية اغتيال جرت فى الشرق الأوسط. فى ذلك الوقت كنت قد عبرت الامتحان الشامل للحصول على رسالة الدكتوراه؛ وبينما أقوم بالإعداد للرسالة بدأت التدريس فى الجامعة لمادة عن التطورات الجارية فى العلاقات الدولية وهى مادة ضرورية لمن يريد فيما بعد دراسة المواد الخاصة بإدارة الأعمال الدولية، والشركات متعددة الجنسية وما فى حكمها من أعمال عابرة الأقاليم والقارات.
كما هى العادة كنت قد أعددت لمحاضرتى فى الليلة السابقة، وفى الصباح لم أعرف ما الذى تعنيه محاولة الاغتيال للرئيس السادات، وما إذا كان على أن أضيف شيئا بشأنه حيث كان الشرق الأوسط موضوعا فى تطور العلاقات الدولية. كان تفكيرى مشوشا، ولم تكن التليفونات وقتها بالسلاسة التى نعرفها الآن، وبشكل ما كنت أعتقد أن خبر المحاولة وراءه أمور كثيرة كلها باعثة على القلق على الرئيس وعلى مصر. قبل الساعة الثامنة كنت فى مكتبى فى المبنى المخصص لطلاب الدكتوراه الذين يقومون بالتدريس وبات التوقيت فى القاهرة يتجاوز الثانية بعد الظهر وساعتها عرفت أن الرئيس السادات ذهب للقاء ربه. كان الزملاء من جنسيات متعددة، ومن جاء منهم كان حاملا خبرا أو تفصيلة من التفاصيل. كانت صحيفة الجامعة والصحف المحلية وكذلك القنوات التلفزيونية المحلية تتساءل مع الطالب المصرى الدارس للعلوم السياسية عما جرى فى القاهرة، ولم أكن أعرف الكثير ورغم ذلك فقد حاولت قدر الطاقة تلبية الأسئلة، وبالنسبة لمحاضرتى فقد قررت أن أترك للتلاميذ أن يقرروا ما إذا كان اغتيال الرئيس السادات يجب أن يكون جزءا من درس اليوم أم لا.
كان لدى 45 تلميذا وتلميذة دخلت إليهم ووجدت وجوما غير معتاد، وعندما انتهيت من محاضرتى لم يكن هناك من يسأل، وفجأة وجدت طابورا يشمل جميع الحضور، وبينما الدهشة تتملكنى بات الصف للعزاء. قرر الطلاب تعزية مصر ولم يكن هناك سواى يتقبل العزاء مصاحبا بدموع وحزن. وكانت الولايات المتحدة قد قررت إرسال ثلاثة رؤساء سابقين للعزاء- كارتر وفورد ونيكسون- ولم يذهب الرئيس رونالد ريجان للتخوف من ازدحام هائل سوف يحدث تأسيا بما حدث أثناء جنازة الرئيس جمال عبد الناصر. ولم يكن ذلك ما حدث مع الرئيس الذى ذهب إلى الرفيق الأعلى وهو على بعد خطوات من تحرير كامل التراب الوطنى. وقبل وفاته كانت عمليات تسليم الأرض جارية على قدم وساق؛ وكما هى العادة الإسرائيلية أراد الإسرائيليون إثارة قضية تكلفة القوات المتعددة الجنسية التى سوف تقوم بمراقبة تنفيذ اتفاقية السلام مع إسرائيل. وقتها كانت التكلفة المقدرة 20 مليون دولار سنويا وعلى أى الأحوال فإن د. أسامة الباز رحمه الله رفض الطلب الإسرائيلى رافعا الحجة أن إسرائيل هى التى طلبت وجود هذه القوات ومن ثم فإن مصر لا يمكنها أن تدفع ثمن أمر لم تطلبه. بات الأمر واحدة من أزمات اللحظة الأخيرة التى استدعت اتصالا من د. الباز بالرئيس السادات الذى انتفض غضبا لأنه لا يجوز السماح بوجود القوات الإسرائيلية دقيقة واحدة زائدة من أجل 20 مليون دولار. فى النهاية انسحبت إسرائيل لكى تخلق مشكلة أخرى تخص «طابا» ذهبت إلى التحكيم، وفى حدود العلم فإن مصر لم تتحمل سنتا واحدا من تكلفة القوات المتعددة الجنسية، وأكثر من ذلك انهمرت على مصر المعونات الأمريكية والأوروبية والمشروعات الخاصة بالصرف الصحى للقاهرة والإسكندرية ومدن أخرى. كان الرئيس محمد حسنى مبارك قد تولى رئاسة الدولة التى تخلصت فى عهده من الاحتلال الإسرائيلى بما فيها طابا.