علاقات استراتيجية مصرية سعودية

علاقات استراتيجية مصرية سعودية

المغرب اليوم -

علاقات استراتيجية مصرية سعودية

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

ذكرنا مرارًا أن ما سُمّى «الربيع العربى» ولد ثلاثة تيارات فكرية وسياسية؛ أولها كان ذا طبيعة فوضوية احتلت الميادين ورفعت الشعارات، ولكنها لم يكن لديها مشروع سوى الإطاحة بالنظام القائم. وثانيها كان جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا جاهزين للحظة بالتمويل والتنظيم، واحتواء التيار الأول العاجز عن كليهما فى داخل البلاد وخارجها؛ والأخطر الجنوح نحو الإرهاب. وثالثها كان مع التيارين فى أن النظام القائم قد وصل إلى طريق مسدود رغم احتوائه على أفكار ومشروعات للإصلاح إلا أنها كانت كلها متوقفة وبطيئة وجامدة. هذه التيارات الثلاثة ولدت فى دول عربية كثيرة، وبينما كانت نتيجة التيار الأول الجنوح نحو العنف والفرقة والوصول إلى الحرب الأهلية؛ فإن التيار الثانى استأثر بمصر وتونس والمغرب والأردن ووصل بالفعل إلى السلطة فى الأولى والثانية وتعثر فى الثالثة والرابعة؛ أما الثالث فقد تولد من رحم النظم الملكية فى الخليج والأردن والمغرب؛ وبعون القوات المسلحة كما حدث فى مصر. التيار الأول نحا فى اتجاه العنف والراديكالية وإنشاء دول ذات رأسين: دولة شكلية تسلم عصب قوتها لميليشيات «المقاومة والممانعة»، فلا تبقى الدولة ولا يتحقق التحرير. الثانى تراجع تأثيره بعد أن وصل إلى نقطة النهاية مع انهيار النظام فى مصر. والثالث بدأ مع ٢٠١٤/٢٠١٥ أكبر عمليات للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى والسياسى عرفتها المنطقة منذ الإصلاحات التى أدخلها محمد على فى مصر وحاول نشرها فى خارجها. الإصلاح أخذ شكل تقوية الدولة الوطنية وهويتها، واختراق إقليم الدولة بالتعمير والبناء، وتعبئة الموارد التى تنوع مصادر الثروة، وجذب الشباب الذى شكل الغالبية الديمغرافية إلى ساحة التعمير والبناء، وطرح رؤى ٢٠٣٠ فى مصر والسعودية وتغير الأفق الزمنى فى بلدان أخرى، ولكن كلها أرادت السير فى طريق الحداثة. ورغم أن دولة الإمارات كان لها فضل السبق فى اتباع نماذج الدول الحديثة والمتقدمة فى آسيا مثل نموذج سنغافورة؛ فإن دول الإصلاح الأخرى اتبعت مسارات متنوعة أخذت عقدا من الزمان حتى بات ما فعلته من تنمية وبناء منظورا ومسموعا ولافتا للنظر.

.. رغم كل ما حدث من تغيير فإن «الربيع» ظل مؤثرا بما أصاب المنطقة من خلل استغلته الدول الإقليمية- إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا- لكى تحاول زلزلة الإقليم العربى وتحرمه من الإصلاح والموارد الطبيعية. تكون محور «المقاومة والممانعة» لاستغلال القضية الفلسطينية فى تحقيق المزيد من الضعف والاختلال. ولكن مجموعة البناء والتنمية والسلام عضت على نواجذها لكى لا تقع فريسة المزايدة خاصة ما تعلق بالقضية الفلسطينية، فكان التعامل معها بالمساندة وبذل الجهد حتى لا تتحول حرب غزة الخامسة إلى حرب إقليمية. وبدون تكوين «محور» فإن السياسات التى اتخذتها مصر والسعودية والأردن والإمارات وقطر وباقى دول الخليج كانت متماثلة وفيها الكثير من المساندة. وفى قلب هذه المجموعة كانت العلاقات المصرية السعودية عميقة الجذور فى الأصالة العربية والاعتدال، والآن الإصلاح الشامل والعميق. والحقيقة هى أن للأمر تاريخا طويلا حيث شهدت العلاقة بين مصر والسعودية تطورًا قويًا منذ توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين عام ١٩٢٦م، فقد أيدت المملكة مطالب مصر الوطنية فى جلاء القوات البريطانية عن الأراضى المصرية، ووقفت إلى جانبها فى الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وفى ٢٧ أكتوبر عام ١٩٥٥ وقعت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين. وقد قدمت المملكة لمصر فى ٢٧ أغسطس ١٩٥٦ (١٠٠ مليون دولار)، بعد سحب العرض الأمريكى لبناء السد العالى. وفى ١٧ أكتوبر ١٩٧٣ بعد الانتصار العسكرى الذى حققته القوات المصرية، قرر العاهل السعودى الملك فيصل بن عبد العزيز استخدام النفط؛ فدعا إلى اجتماع عاجل لوزراء النفط العرب فى الكويت، أسفر عن قرار عربى بخفض الإنتاج الكلى العربى للنفط ٥٪، وخفض ٥٪ من الإنتاج كل شهر؛ حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو ١٩٦٧. وتبرع الملك فيصل بمبلغ ٢٠٠ مليون دولار للجيش المصرى، كما دشن العاهل السعودى الحالى الملك سلمان بن عبد العزيز، إبان حرب أكتوبر المجيدة، لجنة لجمع التبرعات لصالح الجيش المصرى؛ دعمًا للمعارك والمجهود الحربى فى مصر. وعندما جرى الاحتلال العراقى للكويت فى عهد صدام حسين فإن مصر كانت سباقة لطلب انعقاد قمة عربية أدانت الغزو، ومعه أرسلت القوات المصرية للدفاع عن السعودية وتحرير الكويت فى آن واحد.

الزيارة التاريخية التى قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر فى العام ٢٠١٦، تمخض عنها تطوير آليات التعاون وتأطيرها فى اتفاقيات جديدة بين البلدين؛ ليرتفع عدد الاتفاقيات المبرمة لأكثر من ٦٠ اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتوكولا، شملت جميع أوجه التعاون المشترك بين البلدين فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاستثمارية، فضلًا عن تعزيز التنسيق والتشاور بين البلدين فى خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وخدمة الأمن والسلم الدوليين. كما أسفرت الزيارة عن قيام مجلس التنسيق السعودى المصرى الذى أسسه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبدالفتاح السيسى؛ بإبرام ١٧ اتفاقية، شكلت خارطة طريق للتعاون الاقتصادى بين البلدين، فى مجالات الإسكان والبترول والتعليم والزراعة والصحة، شملت اتفاقية لتطوير مستشفى «قصر العينى» بقيمة ١٢٠ مليون دولار، واتفاقية أخرى لتمويل إنشاء محطة كهرباء «غرب القاهرة» بقيمة ١٠٠ مليون دولار، إلى جانب توقيع ١٠ اتفاقيات تفاهم لتمويل مشروعات جديدة ضمن برنامج الملك سلمان لتنمية شبه جزيرة سيناء، من بينها تأسيس جامعة الملك سلمان الدولية، التى بدأت بالفعل فى استقبال الدارسين للعام الدراسى ٢٠٢١/٢٠٢٠، وإنشاء ١٣ تجمعًا زراعيًا فى شبه جزيرة سيناء بقيمة ١٠٦ ملايين دولار، وغيرهما من المشروعات التنموية.

لا توجد نية هنا لمتابعة التطورات الضخمة فى العلاقات المصرية السعودية فى المجال الاقتصادى حتى وصلت للحالة الحالية من التفاعل الذى بدأ مع اتفاقية تحديد الحدود البحرية بين البلدين، لكى تشهد أكبر عمليات التنمية والتواصل الاقتصادى والاستثمارى بين البلدين. ما يهم هنا أن المسيرة تقترب اقترابا حثيثا من تشكيل منطقة للتجارة الحرة بين البلدين، ذات طبيعة متقدمة يجرى فيها دعم التنمية فى كلتيهما، ولكن أكثر من ذلك وضع لبنة تجمع تنموى من الدول الإصلاحية العربية فى المنطقة تفتح الأبواب للإمارات والبحرين وقطر والأردن، يطرح على المنطقة كلها منهجا آخر للتعامل مع إشكاليات العالم العربى المتعددة، وفى مقدمتها مواجهة حالة عدم الاستقرار الإقليمى من حروب أهلية، وميليشيات تكسر الدول الوطنية، والتعامل مع الدول الإقليمية من خلال المصالح المشتركة والحلول السلمية والتكامل الاقتصادى الإقليمى لمن يرغب فى ذلك. كان إعلان قمة مجلس التعاون الخليجى فى «العلا» فى يناير ٢٠٢١ هو الذى بدأ المسيرة فى اتجاه التصالح مع قطر وتركيا، وفتح العلاقات مع إيران. لا يزال الطريق طويلا، ولكن تحقيق التوازن فى المنطقة يعطى الكثير من الفعالية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علاقات استراتيجية مصرية سعودية علاقات استراتيجية مصرية سعودية



GMT 13:17 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسافرون

GMT 13:14 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

سؤال المرحلة... أي مستقبل للمشروع الإيراني؟

GMT 13:12 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يخطئ مرتين في سوريا

GMT 13:11 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والمسألة الثقافيّة قبل نكبة «حزب الله» وبعدها

GMT 13:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

حكومة “لا فَتَّتْ ولا غَمَّست” فلِمَ التعديل!

GMT 13:07 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود المياه لمجاريها بين الجماعتين؟

GMT 13:06 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فوكاياما وأوان «الديستوبيا» العالمية

GMT 13:02 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم التونسي من وإلى قرطاج!

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:41 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
المغرب اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 08:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 09:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
المغرب اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 10:24 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
المغرب اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 13:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن مسيرته الفنية
المغرب اليوم - خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن مسيرته الفنية

GMT 17:10 2017 الإثنين ,24 إبريل / نيسان

مصطفى قمر ضيف غادة عادل في "تعشب شاي"

GMT 07:37 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

الأناقة تغيب عن ملابس الرجال في أسبوع موضة لندن

GMT 20:46 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

أخطاء يفضل تجنبها في ديكور المنزل العصري

GMT 10:58 2021 الثلاثاء ,13 تموز / يوليو

ريال مدريد يتحرك لضم موهبة برشلونة خاومي جاردي

GMT 20:19 2018 الأربعاء ,13 حزيران / يونيو

الكشف عن أسباب تراجع أسعار النفط عالميًا

GMT 15:58 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

محمد أوزال يكشف عن سعادته بثقة الرجاويين

GMT 06:17 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"Pop.Up Next" السيارة الطائرة بمقصورة الركاب المميزة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib