بعد أن تمت بسلامة الله الانتخابات الرئاسية المصرية؛ وبات جليا أنها قد أتت في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية مختلفة عما كانت عليه في الفترة السابقة؛ فليس هناك جيل مصرى وعربى جديد تتفتح عيونه على عالم آخر فحسب، بل إن مصر لم تعد كما كانت عليه في عام ٢٠١٣.
فقد زويت ذكرى «الربيع العربى» وفوضاه، ولم تعد مصر من حيث الجغرافيا والديمغرافيا والتكنولوجيا كما كانت، ولا عادت النخبة المصرية المؤثرة في العمل السياسى من قيادات وأمنية وثقافية وإدارية كما كانت عليه. من هنا فقد جاء وقت التفكير فيما سوف تكون عليه أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة المقبلة وحتى عام ٢٠٣٠.
ومن البديهى أن استكمال كل المشروعات القومية هو ضرورة لما سوف يأتى من مقترحات حتى تترابط المراحل ما بين الحاضر والمستقبل. وإذا كان قد ذاع كثيرا تعبير «فقه الأولويات» خلال المرحلة الماضية فربما يكون أكثر إلحاحا في هذه المرة أن يفصح الجميع عن أولوياتهم مع مراعاة كل الظروف الموضوعية داخل وخارج مصر. مثل ذلك سوف يجعل الحوار القومى ممتدا زمنيًا ونوعيًا.
ما نضعه على طاولة الحوار هذا أولا مشروع قومى كبير، وإذا كان المشروع القومى الأول استند إلى انطلاقة كبرى من النهر إلى البحر، واختراق الإقليم المصرى من وادى النيل وحتى البحرين الأبيض والأحمر، فإن مشروع التعمير الشامل لسيناء سوف يكون قضية السنوات الست المقبلة استنادا لكل ما تحقق خلال السنوات السبع السابقة. المفكرون والدارسون ومراكز الفكر والتحليل عليهم البحث والإعداد الاستراتيجى لهذا المشروع في زواياه الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
سيناء هي حلم مصر القادم ودرعها الحصينة، وبعض من تقدمها بدأ في جنوبها عندما جرى تطوير مدينة شرم الشيخ وذهب ونويبع، وعبر السنوات بدأ تطوير مدن الطور ورأس سدر وكل ما حول دير سانت كاترين وكل ما يتعلق بالتجلى الإلهى.
مضافا لكل ذلك إرهاصات تعدينية وحضارية في الشمال، والزراعة في الوسط استنادا إلى «ترعة السلام». ولكن ذلك لا يمثل القصة كلها بل إن أهم ما فيها هو الامتزاج مع وادى النيل في امتداد ثقافى واستراتيجى يربط بالفعل بين ثلاث قارات.
وثانيا التركيز الكبير على «تشغيل التغيير» بمعنى الاستغلال الاستراتيجى والاقتصادى والاجتماعى الأمثل لما تم من منجزات استنادا إلى دراسات تحدد مدى العائد الحالى والممكن مستقبلا لتحقيق التوازن المطلوب للاقتصاد المصرى.
جهد المرحلة الرئاسية التالية يكون مركزا على استعادة «النمو الاقتصادى المصرى» إلى مستوياته التي اقتربت من ٧٪ خلال العام السابق لأزمة كورونا، والتقليل إلى أدنى حد ممكن من العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات والميزان التجارى المصرى، وكل ذلك من خلال اقتصاد سوق قوى وصريح يكفل للعملة المصرية القوة والاستقرار.
وثالثا وضع نهاية لعدد من الاختلالات القائمة في الشأن العام المصرى من خلال مبادرات رئيسية أولاها «محو الأمية»؛ فلعل واحدا من أكثر السلبيات التي ألمت بالتجربة التنموية المصرية أنها لم تضع عبر عقود زوال الأمية ضمن أولوياتها القومية.
ورابعا التعمير السكانى للمدن الجديدة جميعها بحيث يتحقق لها ما تحقق لمدن السادس من أكتوبر والقاهرة الجديدة؛ وخامسا من خلال تشريعات جديدة تنهى ما حدث في الماضى لقضية الإسكان في مصر، وإقامة السوق الحرة في الإسكان التي تسمح بإسكان ملايين الوحدات السكنية الفارغة من السكان التي أثارت الطمع لدى إسرائيل الساعية للتهجير القسرى للفلسطينيين كما اتضح خلال أزمة غزة الجارية.
وسادسا مبادرات رئاسية لتعزيز النخبة المصرية بما يقوى القوة الناعمة المصرية، ويحقق الاستخدام الأمثل للقوى والنخب المحلية في المحافظات خاصة أن مشروع «حياة كريمة» سوف يتم إنجازه خلال الفترة القادمة ومن ثم فإن التحولات الناتجة عنه في الريف والإقليم المصرى عامة سوف تستدعى نظرة جديدة على التعامل مع النخب الجديدة في المجتمع المصرى، وربما أيضا التفكير في وضع نظام سياسى جديد لمصر يبادر به الرئيس القادم لكى يشعل التنمية المحلية في المحافظات المختلفة، ترفع الأعباء عن الحكومة المركزية، وتضيف لها بدلا من الأخذ منها.
باختصار أن يكون الحكم المحلى سبيلا للاستغلال الأمثل للطاقات المصرية المتنوعة في أقاليم مصر المختلفة. إن نظرة جديدة لأقاليم سيناء والدلتا والوادى في مصر العليا والسفلى، والبحر الأحمر والصحراء الغربية سوف تضع مقتربات جديدة للاستثمار والتنمية والازدهار الثقافى والعلمى غير مسبوقة في التاريخ المصرى؛ وسوف تجعلنا نفكر بطريقة مختلفة كيف ستكون «رؤية مصر ٢٠٥٠»؟!.