بقلم - عبد المنعم سعيد
انضمت محاولة اغتيال الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب إلى الملفات التاريخية لعمليات الاغتيال أو الشروع فيه المتعددة فى التاريخ الأمريكى. القصة كان فيها ما كان من إثارة، والقاتل جرى قتله قبل أن تجف دماء من فشل قتله؛ والتحقيقات لا تزال جارية فى مجلس النواب على أى حال مع رجال الخدمة السرية والمسؤولين عنهم.. وكذلك فإن قرار الرئيس الحالى بايدن فى التخلى عن ترشيحه عن الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى الخامس من نوفمبر القادم سوف يدخل التاريخ الذى سوف يحتوى على شهادات طبية لأطباء كان لهم رأى فيما إذا كان على الرئيس أن يستمر معتمدا على صلابة عناده. ولن تبخل الأسرة بشهادات تسجلها أو تسربها أو تضعها فى مذكراتها عن تلك اللحظات العصيبة التى جرت على الرئيس لكى يتخلى عن حلمه فى أن يهزم دونالد ترامب مرة أخرى، وأن يقضى فترتين رئاسيتين كما فعل صاحبه باراك أوباما لثمانى سنوات غير منقوصة. ليس معلوما ما إذا كان أوباما لعب دورا فى إقناع الرئيس أم لا؛ ما نعرفه أن السيدة بيلوسى رئيسة مجلس النواب السابقة لعبت دورا فى إقناعه، أو بث الشك فى إمكانية نجاحه فى قلبه، ولكنها كما نعلم حصلت على عون القادة الديمقراطيين فى مجلس النواب وفى مجلس الشيوخ. التفاصيل كثيرة من لحظة إطلاق الرصاص وحتى بعد أن وضع ترامب الكمادة البيضاء على أذنه اليمنى ذاهبا إلى مؤتمر الحزب لكى يطلق ما كان سرا عن الرجل الذى اختاره نائبا له، فإذا ما فاز فإنه سوف يكون على مقربة دقة قلب تتوقف للرئيس ترامب إذا ما انتخب رئيسا مرة أخرى. عشت الزمن الذى لم يعرف فيه الكثير عن نائب الرئيس، وقيل إن مهمته هى القيام بالعزاء بدلا من الرئيس المشغول دائما فى غيابه. ولكن نائب الرئيس الآن أصبح إلى حد كبير شريكا، وهكذا كان تقديم ترامب «جيمس فانس» صغير العمر الذى بات مع اختياره على مسافة دقة قلب من البيت الأبيض.
.. لم يكن لدى بايدن عندما اتخذ قرار التخلى عن البيت الأبيض مشكلة فى أن يكون أول من يحدثه نائبة الرئيس كامالا هاريس؛ فعندما اختارها كان على أساس معايير لا بد من مراعاتها من حيث النزاهة وطلاقة اللسان وسرعة البديهة والمعرفة بأحوال الولايات المتحدة الأمريكية. المدعى العام لولاية كاليفورنيا أغنى وأكبر الولايات الأمريكية، وعضو مجلس الشيوخ المتمرسة فى السياسة والكلام والقانون كان فيها ما يجعلها «رجل المرحلة». المرحلة تبدأ بالانتخابات التى سوف تجرى فى منافسة مع ترامب، والتى لا يمكن فيها التفريط فى صوت واحد. وبقدر ما بات هناك يقين بأن الانقسام الأمريكى قد جعل من أمريكا ولايات زرقاء للديمقراطيين وأخرى حمراء للجمهوريين فإن هناك ولايات أخرى «متأرجحة»، بين هذا وذاك، وعددها الشائع ست ولايات، ولكن من الثابت أن هناك عددا آخر من الولايات التى على الحافة ما بين اليقين والخروج عليه. فى الانتخابات الماضية، ٢٠٢٠، كانت أريزونا وجورجيا من هذا النوع، ولولا أن ترامب وأهله يعيشون فى فلوريدا لعادت إلى عادتها السابقة فى أن تكون فاصلة ما بين مرشح وآخر.
قبل الوصول إلى نقطة الفصل هذه فإن الطريق صعب وشاق حتى ولو كان نصيبه من العمر أكثر قليلا من ثلاثة شهور. البداية لدى «هاريس» لم تكن صعبة فقد اختصر لها بايدن أكثر من نصف الطريق عاشت فيها المدعية العامة السابقة لكى تتعرف كيف يعيش الرؤساء الذين يوجد بين أصابعهم ما يكفى إبادة البشرية. الاستقبال الذى لقيته كانت تعرف أن لبايدن فيه نصيب وعندما أعلن عن تأييده لها، قامت الغالبية الساحقة ممن كانوا ينوون الترشح حتى فى وجه بايدن خلال مؤتمر الحزب بإعلان تأييدهم لزعيمة الحزب الجديدة. وقبل أن تمضى ٤٨ ساعة بعد خروج بايدن كان تأييد هاريس من بين مفوضى الحزب يتجاوز نقطة المنتصف إلى أكثر من ٢٠٠٠؛ ومع الأصوات جاء المدد الأعظم من المال. صندوق بايدن الانتخابى كان يوجد فيه ٩٧ مليونا، وبعد ٢٤ ساعة من تسميتها مرشحة رئاسية ممن لا يزال رئيس البلاد كان قد أضيف لهم ٨١ مليونا، ومنهم ٢٧ مليونا من الهبات الصغيرة. كان الحزب بصغاره قبل كباره يستعد للمواجهة الكبرى؛ وفى يده مرشحة أصغر سنا (٥٩) من منافسها ترامب (٧٨)؛ ولديه شوق وحماس للمواجهة مع مرشح لم يتوان أبدا فى التشهير بالحزب الديمقراطى. فى المعركة الانتخابية توجد أسلحة لا يمكن إهمالها، منها الخروج الكريم لبايدن بعد ثلاث سنوات ونصف من الإنجازات، وقراره بطاعة زعماء الحزب بالخروج من الساحة الانتخابية، ومرشحة لها أصول إفريقية وآسيوية وجرى تدريبها على الحكم على مدى أربع سنوات. وعلى الجانب الآخر يوجد مرشح أعيته محاكمات متنوعة من التزوير فى وثائق رسمية تخص صمت غانية بطلة أفلام إباحية؛ والدفع نحو تزوير الانتخابات الرئاسية السابقة فى ولاية جورجيا جرى تسجيلها صوتيا؛ ورغم نجاته من قضية الوثائق الحكومية فإن الرجل لديه سجلات كثيرة من النصب والاحتيال فى جامعة ترامب الشهيرة؛ فضلا عن أنه يكاد يكون المرشح الرئاسى الوحيد فى التاريخ الأمريكى الذى لم يفصح أبدا عن ضرائبه كما تقضى التقاليد.
وللحق فإن ترامب لا يدخل الحلبة عاريا، فخلال السنوات الماضية قام بترويض الحزب الجمهورى وقياداته على الولاء والطاعة حتى لم يعد الحزب ساحة للحوار والتقدير للسياسات الجمهورية فى القضايا الداخلية والخارجية وإنما باحة لتملق ترامب وتقديم الولاء والطاعة لما يقوله صدقا أو كذبا. ولكن ترامب له ما كان سابقا على ذلك وهو قاعدة من المتعصبين له الذين زحفت طلائعهم على مبنى الكونجرس فى ٦ يناير ٢٠٢١ للاحتجاج على ما حاول ترامب ترسيخه من تزوير الانتخابات التى أتت ببايدن بدلا منه.
قاعدة الولاء هذه تأتى من الخلل الذى ولدته العولمة حيث الصناعة تاركة المدن الصناعية الكبرى والصغرى صدئة لا تعرف التجديد، عاجزة عن المنافسة الصناعية حتى فى الولايات المتحدة مع الإنتاج القادم من الصين وبقية العالم. القاعدة هذه فى حالة ذعر حاد من عمليات الهجرة المنظمة القادمة من أركان العالم الأربعة وفى المقدمة القادمون من أمريكا اللاتينية. استثمر ترامب قاعدة الولاء هذه ودفع تحمسها فى تصور فكرى قائم على نوع من الوطنية الأمريكية البيضاء، وحينما تمضى القصة، والتى خانتها النخبة الديمقراطية التى سلمت مصالح الشعب الأمريكى لدول أخرى تحت شعارات ليبرالية زائفة تمجد المثليين وتحمى الأقليات المهاجرة على حساب الشعب الأمريكى. القاعدة هنا تكبر حتى تشمل قاعدة «إنجيلية» متشددة فى ولائها الدينى، ومتعصبة لأصولها البروتستانتية التى قدم بها المهاجرون الأمريكيون «الأصلاء» إلى العالم الجديد.
المعركة الانتخابية فى النهاية متكافئة، ومن المؤكد أنها سوف تكون مثيرة وملهمة.