«مانيفست» واقعى أمريكى

«مانيفست» واقعى أمريكى

المغرب اليوم -

«مانيفست» واقعى أمريكى

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

فى الحياة العملية فإن «مانيفست Manifest» تعنى تلك القائمة للركاب فى طائرة أو أى من وسائل النقل؛ ولكن التعبير أصبح فى مجال «ما وراء الطبيعة» من خلال مسلسل تلفزيونى لا يزال يُعرض على شبكة «نتفليكس» لعرض الأفلام والمسلسلات. ودون الدخول فى التفاصيل، فإن القصة هى لطائرة أمريكية تعرضت لاختلال مؤقت أثناء طيرانها، عاش فيها الركاب لحظات رعب مروعة، ثم هدأت الأمور وعادت الطائرة إلى استوائها على عرش الهواء حتى وصلت إلى مقصدها. هنا تكون المفاجأة، وهى أن مَن كانوا عليها وجدوا أنفسهم وقد مضى على بقائهم فى منفى الخيال خمس سنوات. على الأرض كانت الأرض قد تغيرت، والعائدون لا يستطيعون الخلاص من ماضيهم الذى كانوا فيه، وهكذا تسير الدراما بين الزواج والطلاق، والحب الذى ضاع والغرام الذى أتى، وشفاء المريض من السرطان، وتطورت أمور وتعقدت أخرى. وكما هى العادة فى مسلسلات مثيرة، فإن أجهزة الدولة الأمريكية تبحث الموضوع بحثًا عن أسرار كبرى، وتذهلها رؤى تظهر لمختارين من أطفال وبالغين يرون كوارث وحوادث قادمة من وراء الطبيعة. وبالطبع لا توجد هنا نية لعرض المسلسل، وهو لم ينتهِ بعد على أى الأحوال، ولكن شيئًا ما يحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام، وله علاقة بالانتخابات الرئاسية القادمة ٢٠٢٤؛ حيث يبدو أن أمريكا تعود مرة أخرى إلى ما كانت عليه فى عام ٢٠١٥ حينما قرر الملياردير دونالد ترامب الترشح، بينما يستبعده الجميع، خاصة هؤلاء فى الحزب الجمهورى، الذين صمموا على أنه لا يزيد على كونه «ظاهرة تلفزيونية». وعندما بدأت الدورة الإعلامية تأخذ مجراها، وبات واضحًا أن استطلاعات الرأى العام كلها تقدم الرجل باعتباره مرشحًا لا يمكن تجاهله، سادت وجهة النظر بأن الرأى العام يأخذ أحيانًا بالظواهر، وأنه ما أن تبدأ الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى فإن الناخب الأمريكى سوف يكون أكثر جدية. لم يثبت ذلك خلال الانتخابات التمهيدية فى الحزب ولا عندما دخلت المنافسة مع «هيلارى كلينتون»، وفاز الرجل الذى سوف يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى!.

مضت أربع سنوات من حكم ترامب الجمهورى، وثلاثة تقريبًا من حكم الرئيس بايدن الديمقراطى، بعد أن فاز الثانى على الأول وفق القوانين والتقاليد والأعراف الدستورية الأمريكية. هذه السنوات عرفت غرائب كثيرة، ليس فقط ما ألَحَّ بالفشل على ولاية الرئيس ترامب الوحيدة حينما لم يفلح فى التعامل مع أزمة الكورونا، وإنما أكثر من ذلك أن مسيرته كانت ممتلئة بكل ما هو غامض وعجيب، والذى خرج على كل الأعراف الأمريكية المعروفة. كتابات أعوانه العاملين فى البيت الأبيض عنه تراوحت ما بين التبعية للمافيا، كما جاء فى شهادة محاميه الخاص مايكل كوهين؛ إلى الشك فى قواه العقلية وعنصريته الزائدة، كما أتت به «أمبروزا نيومان»، فى كتابها بعد بقائها القصير فى البيت الأبيض «المختل UNHINGED نظرة من داخل البيت الأبيض». كانت سنوات الرجل فى المقر الرئاسى عامرة بالقضايا والتحقيقات التى اتهمته بالتبعية لروسيا؛ وأثناء حكمه تفجَّر له عدد من القضايا الأخلاقية؛ وفوقها طالب الكونجرس بمحاكمته مرتين. بشكل ما، فإن مشاهد الرجل خلف مكتب الرئيس فى الغرفة البيضاوية، أو فى المهرجانات المختلفة التى أقامها، كانت فيها شعرات من الجنون، ومشاهد دائمة تجرى كما لو كانت من وراء الطبيعة. لم يجد الرجل غضاضة فى أن يأتى بعائلته إلى مقر الرئاسة مستشارين ومديرين للحكم كما يحدث أحيانًا فى دول العالم الثالث، وعندما خسر الانتخابات لم يتردد فى الإعلان عن بطلانها، وبعد إعلان النتيجة بذل الكثير لتعبئة الجماهير للدفاع عنه من خلال الهجوم على مبنى الكونجرس فى ٦ يناير ٢٠٢٠ لمنعه من التصديق على فوز الرئيس الجديد.

الطائرة الأمريكية أصبحت كما لو كانت تعود من جديد إلى كوابيسها القديمة مع خلط هائل للأحداث والوقائع مع بدء التحضير لجولة الانتخابات الرئاسية القادمة. اختلط الماضى بالحاضر كما لم يختلط من قبل لأن الرئيس السابق ترامب بكّر كثيرًا بترشيح نفسه للرئاسة؛ ومن وقتها وهو يتصدر استطلاعات الرأى العام سابقًا أقرب المرشحين له بمسافة كبيرة. بات غائبًا عن الحاضر أن هناك حربًا تجرى فى أوكرانيا، وأن هناك توترًا يحدث فى بحر الصين الجنوبى، وأن الصين قد باتت قوة عظمى، وأن «الجنوب الكونى» المعبر عن دول الجنوب تجنب الجنوح إلى المعسكر الغربى ساعة التصويت فى الأمم المتحدة عن الحرب الروسية- الأوكرانية. ورغم أنه لا توجد كورونا حتى الآن، فإن التضخم العالمى ألقى بأثقاله على العالم كله، بما فيه الولايات المتحدة. وسط ذلك كله، هلّ هلال ترامب بعائلته وزوجته وقصصه، ربما ينقص المشهد ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوتشنر. ولكن ذلك لم يغير من شىء لدى ترامب، فهو يمارس هواياته الجماهيرية التى يلسع فيها زملاءه فى الحزب الجمهورى، وبالطبع خصيمه ومنافسه رئيس الدولة، جوزيف بايدن.

ما يجعل القصة تقترب من مسلسل «مانيفست» أن النائب العام الأمريكى قد أعلن عن اتهام ترامب بما مقداره ٣٧ تهمة فيدرالية سوف يتوالى فيها استدعاؤه لكى يُقرأ عليه الاتهام ولكى يقرر ما إذا كان مذنبًا أو غير مذنب. فى اتهام سابق على هذه الاتهامات تعلق بالتحرش بسيدة وانتهى الأمر بغرامة مالية، ورشوة سيدتين لمنعهما من الشهادة «ستورمى دانيالز»، الممثلة الإباحية، وكارين مكدوجال، العارضة السابقة فى مجلة «بلاى بوى»؛ وهناك صف طويل من هذه النوعية من الاتهامات. أجواء ما قبل ثمانية أعوام تعود كما تأتى الأشباح والعفاريت والرؤى، التى تعود إلى الساحة السياسية الأمريكية كما لو كانت قد جرَت مرة أخرى بالأمس القريب. ظهور «مايك بنس»، نائب الرئيس ترامب خلال فترة رئاسته، وشهادته ضد رئيسه، الذى اتهمه بالخيانة تُعيد ذكريات بعيدة عندما اختاره ترامب لكى يُزامله فى التذكرة الانتخابية. ولكن وجوده يفتح الباب واسعًا لكثير من الذكريات من نائب رئيس اعتاد الطاعة، ولكن هجرها عندما وجد أن رئيسه سوف يعتدى على تقاليد دستورية لا يسهل غفرانها. المعضلة الكبرى التى ينافس غموضها الغموض المرتبط بما حدث للطائرة أثناء فترة اختفائها زمنيًّا لمدة خمس سنوات هى المتعلقة بوثائق الرئاسة الأمريكية.

الأمر فى جوهره يبدو بسيطًا، وهو أن هناك قانونًا أمريكيًّا خاصًّا بوثائق الرئاسة، ويقضى بأنه على رئيس الدولة أن يترك جميع الوثائق التى حدثت فى عهده إلى الرئيس التالى. ولكن ما حدث فعليًّا أن الرئيس ترامب حمل معه جميع الوثائق على اعتبار تصديق ما كان يقول به، وهو أنه فاز فى الانتخابات، ومن ثَمَّ لا يزال رئيسًا. الطلبات المتكررة بعودة الوثائق أدت فى النهاية إلى اقتحام منزل الرئيس السابق فى «مارا لاجو» بولاية فلوريدا لكى تكتشف المباحث الفيدرالية أن الرئيس كان يحمل معه وثائق تتعلق بالأمن القومى الأمريكى والأسرار النووية للولايات المتحدة الأمريكية!. لماذا أبقى ترامب هذه الوثائق معه؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مانيفست» واقعى أمريكى «مانيفست» واقعى أمريكى



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:41 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
المغرب اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 08:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 09:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
المغرب اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 13:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن مسيرته الفنية
المغرب اليوم - خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن مسيرته الفنية

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
المغرب اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد

GMT 18:13 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

مشاريع استثمارية تخلق 14500 منصب شغل

GMT 11:12 2023 الأربعاء ,28 حزيران / يونيو

مدينة "ذا لاين" في السعودية قطعة فنية للحالمين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib