تقرير من شرم الشيخ

تقرير من شرم الشيخ!

المغرب اليوم -

تقرير من شرم الشيخ

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

ربما يكون متعجلًا أن يُكتب تقرير عن مؤتمر شرم الشيخ- cop27- وهو لم يغلق أبوابه، ولم يصدر عنه تقرير وتوصيات يمكن الاستناد إليها وصفًا وتحليلًا وتقديرًا عما إذا كان الجنس البشرى قادرًا على إنقاذ الكوكب الذى يعيش فيه، ولكن ما يُقال من أن الباحثين والصحفيين يجلسون فى المقاعد المتقدمة الأولى للتاريخ يعنى الأهمية الكبيرة لتلك القراءة الأولية الساخنة والطازجة لأحداث كبرى سوف يأتى بعد ذلك مَن ينظرون إلى أوراقها، أو يقرأون ملفاتها، أو يمحصون فيما أتى فيها علنًا، وما دار أمام الكواليس وخلفها من أسرار.

ذهبت فى معية زملاء فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية لمراقبة، وأحيانًا المشاركة فى فعاليات، مؤتمر فريد، فلا يعرف العالم كثيرًا من المؤتمرات التى تحضرها الغالبية العظمى من قادة العالم، ويجرى فيها بحث قضية حيوية تخص الجنس البشرى بغض النظر عن الحجم أو النوع أو اللون، باختصار هى عن الإنسان «ولو ما لوش عنوان»، وتكون هذه هى «الحدوتة» أو «القصة» العالمية فى إثارتها وبساطتها. والحقيقة هى أن الآداب والفنون هى التى سبقت الجميع من المفكرين والفلاسفة والساسة فى النظر إلى هذا الموضوع المعقد والبسيط فى آن واحد، وهو أن الجنس البشرى مُهدَّد، وأنه لا يوجد خلاص من التهديد إلا بتعاون جميع المقيمين على الكوكب. روايات كثيرة وأفلام تناولت الموضوع، وطرحت السؤال على طريقة «ماذا لو» حدثت للكوكب عودة إلى العصر الذى تجمد فيه كل شىء من البرد والصقيع؛ أو الذهاب إلى عصر ارتفعت فيه الحرارة حتى تبخر الماء، وتصحّرت المزارع، وجاع الإنسان حتى قتل أخاه أو أكله؟!.

أستاذنا العظيم د. بطرس غالى فى مقامه أمينًا عامًا للأمم المتحدة كان هو الذى وضع أساس تقليد وجود أوضاع عالمية تهم جميع البشر، ولا يمكن التعامل معها من خلال جماعة أو دولة أو مجموعة وحدها، ولابد من التعامل معها من خلال مؤتمرات دولية يحضرها ويشارك فيها الجميع. كانت البداية «قمة الأرض»، التى انعقدت فى «ريو دى جانيرو»- البرازيل- ما بين الثالث من يونيو ١٩٩٢ والرابع عشر منه. هناك كانت الطلّة الأولى العالمية على مشاكل الكوكب؛ ومن بعدها توالت النظرات، حتى وصلنا إلى شرم الشيخ، المدينة المصرية التاريخية فى جنوب سيناء، وليس بعيدًا عنها كثيرًا جرى التجلِّى الأعظم. هناك جرَت أحداث سجلها التاريخ من أجل السلام والتعاون، ولكنها هذه المرة كان عليها التعامل مع قضايا كوكبية، وفى وقت بات فيه سكان الكوكب مُمزَّقين وفى حالة حرب. ولكن هذه الإشكالية كان ممكنًا التعامل معها من خلال استئناف بداياتها الأولى فيما عُرف باتفاقية باريس، التى قضت بأن الثورات الصناعية قادت إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بما هو مقدار درجة ونصف الدرجة؛ وأنه من ثَمَّ، فإن حل المعضلة الكبرى هو السعى نحو انخفاض درجة حرارة الكوكب بنفس المقدار أو نكون أكثر كرمًا، فيكون الانخفاض درجتين، فلابد للمجتمعين أن يأخذوا فى الاعتبار أن عدد سكان كوكبنا سوف يصل إلى ثمانية مليارات نسمة فى القريب العاجل.

المعادلة هكذا تبدو بسيطة وممكنة، ولكن، وكما هو معلوم، فإن الشيطان يكمن فى التفاصيل. المعركة الأولى التى كان لابد من تجاوزها كانت أن بعض علماء بنى الإنسان قرروا أنه لا يوجد هناك جديد تحت الشمس؛ فطبيعة الكوكب أنه يمر بدورات تاريخية، كل دورة منها تستمر لآلاف السنين. ما يحدث حاليًا من ارتفاع حرارة الكوكب هو مجرد دورة أخرى حدثت من قبل، وجعلت فى صغرها النبى يوسف يتنبأ بسبع سنوات عجاف وأخرى سمان؛ وللأكثر معرفة وتفصيلًا، فإن مصر القديمة كان بها نهر آخر فى الصحراء الغربية كان جفافه إيذانًا بانتهاء الحضارة الفرعونية.

المعركة الثانية هى أنه مع التسليم بأن القضية هذه المرة ليست دورات تأتى من الطبيعة، وإنما هى أتت مع الإنسان، الذى أضاف إلى حرارة الشمس مصدرًا جديدًا للحرارة قائمًا على «الطاقة الأحفورية» الكربونية، التى قلبت مناخ الأرض رأسًا على عقب. لم يخْلُ هذا التوصيف من لوم للدول المنتجة للفحم أولًا والبترول والغاز ثانيًا، وتحميلها المسؤولية عمّا جرى.

المعركة الثالثة ربما كانت أشد بساطة، وهى أن الدول الصناعية الكبرى هى التى تتحمل المسؤولية عما جرى من ذنوب ومعاصٍ، ومن ثَمَّ فإن عليها القيام بواجبها لتعويض الدول المتضررة، حيث لم يكن لها ناقة ولا جمل فى آثام الثورة الصناعية، وهى التى لم تظفر منها بعد بالتنمية المطلوبة.

المعركة الرابعة، التى لا تقل إثارة عن سابقاتها، هى أن الأوضاع الحالية للجنس البشرى تضعه فى منعطف تاريخى عظيم للتجديد والبناء. الثورات الصناعية السابقة أعطت للإنسان الكثير من الطاقة والسرعة والقدرة على الاتصال، ونتجت عن كل منها سلاسل من الاختراعات والوسائل، التى أعطت البشرية الكثير من التقدم و«الحداثة» والتنمية إلى درجة لم تصل إليها أجيال من قبل. الآن، فإن العالم يقع على أعتاب قفزة جديدة لا تقل عن قفزات سابقة أخذت الإنسان إلى خارج الكرة الأرضية والاطلاع على الكون الفسيح؛ وتنجم عن تنظيف العالم، وتنقية أجوائه، والتعامل مع كل ما بات يُعرف الآن باللون «الأخضر». الصيحات التى جاءت من شرم الشيخ قامت على نزع «الكربون» De-carbonization من الهواء والماء والأرض. ورغم أن ذلك يمكن أن يصيب بالحيرة هؤلاء الذين اعتقدوا أن الكربون كان هو الذى شكّل الخلية العضوية الأولى المؤسِّسة لكافة المخلوقات؛ فإن الثابت هو أن الكربون مثل أمور كثيرة فيه ما هو خيِّر وما هو شرير. الشر كله قام على الجشع الإنسانى لاستنزاف موارد الطبيعة والإسراف فى حرقها، أما إذا كان ذلك يتم من خلال تدوير ما نعرفه ونقدر عليه، فإن الاستنزاف سوف يتوقف ويبقى لدينا «كوكب تانى»، نظيف، وعفىّ، ويعطى الإنسان فرصًا لا نهاية لها.

شركة «إبسون» اليابانية، من العارضين فى المنطقة الخضراء من المؤتمر، ظلت طوال تاريخها تنتج الطابعات السريعة والجميلة والملونة، ولكنها كانت تنتج مخلفات الأوراق التى تجرى طباعتها، وعندما يجرى التخلص منها فإنها تضيف المزيد من الكربون الفاسد، الذى يوجد الكثير منه على كوكب الأرض. الشركة الآن باتت قادرة على رفع هذه المعصية من خلال تدوير الورق مرة أخرى، فلا يجرى التخلص منه فى القمامة، وإنما يدخل إلى الطابعة مرة أخرى، حيث تجرى معادلته وعودته ورقًا A-4 إذا كنتَ تريد، وبالألوان التى ترغب فيها. مثل هذه الثورة تجرى فى التخلص من بقايا البلاستيك، الذى كان فى وقت ما ثورة عالمية، أو حتى أجهزة الكمبيوتر، التى باتت من كثرتها عبئًا عالميًّا يصعب التخلص منه، حتى اقترحت جماعة تصديرها إلى العالم الثالث مع المخلفات النووية. العصر الجديد هو أن تتخلص من تكنولوجياتك السابقة، وتخلق تكنولوجيات جديدة تخلق عالمًا آخر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقرير من شرم الشيخ تقرير من شرم الشيخ



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:41 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
المغرب اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 08:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 09:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
المغرب اليوم - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 13:23 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن مسيرته الفنية
المغرب اليوم - خالد النبوي يكشف أسراراً جديدة عن مسيرته الفنية

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
المغرب اليوم - تحقيق يكشف عن تقييد

GMT 18:13 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

مشاريع استثمارية تخلق 14500 منصب شغل

GMT 11:12 2023 الأربعاء ,28 حزيران / يونيو

مدينة "ذا لاين" في السعودية قطعة فنية للحالمين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib