نستطيع أن نطلق على رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون أنه رئيس الفرص الضائعة. عندما تم إجماع القوى السياسية بتأييد الجنرال ميشال عون لانتخابه رئيساً للجمهورية، كان هناك اعتقاد عند الجميع، أنّ الرئيس عون عندما يصل الى رئاسة الجمهورية سيكون رئيساً مميزاً، خصوصاً أنه كان دائماً يقول إنّه يريد أن يكون لبنان حراً سيّداً مستقلاً، وأنه الرئيس القوي الذي ينتظره الشعب، وأنه سيسلم لبنان أفضل مما كان.
فعلاً الجميع مصدومون، لأنّ ما يفعله الرئيس القوي اختصر بتعيين صهره في الوزارات التي يريدها، بدءًا بوزارة الاتصالات ففشل فشلاً ذريعاً، لأنه لم يفعل شيئاً، سوى أنه عيّـن 500 موظف في شركة alfa لسبب واحد أنه يريد أن يقدّم خدمات على حساب الدولة، من أجل الانتخابات النيابية التي هي عقدة «حياته»، خصوصاً أنه فشل مرتين في دورتين إنتخابيتين، ما اضطره الى تغيير قانون الانتخابات كي يأتي بقانون على قياسه، ضارباً عرض الحائط كل القوانين والأعراف والأصول.
أما عند تسلمه وزارة الطاقة، فأبدع من خلال ارتكاب التجاوزات والأخطاء وحاول الحصول على أموال ليس لها حدود، وتكفي قصة البواخر التركية، ورفضه الصندوق الكويتي والصناديق العربية، وهو حمّل الخزينة اللبنانية والبنك المركزي ديوناً وصلت الى 47 مليار دولار، أي أكثر من نصف الدين العام سببه إدارة جبران باسيل لهذا الملف، عدا تعيينه سكرتيره وزيراً ثم عيّـن السكرتير سكرتيرته وزيرة الطاقة والسكرتيرة عيّـنت سكرتيرها، وهذا لم يحصل في أي بلد في العالم حتى في بلاد «الماو ماو».
الكارثة الثانية، هي أنّ الرئيس سعد الحريري وبحكم علاقته المميّزة بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقد مؤتمر «سيدر»، من أجل دعم لبنان في حضور أكثر من 50 دولة ومنظمة دولية، حيث قرّر المجتمعون دعم مشاريع في لبنان، بقيمة 11 ملياراً كانت يمكن أن تنقذ لبنان لو تحققت، ولكانت أنقذت لبنان من الأزمة المالية، التي لم يسبق أن تعرّض لها بلد في العالم، إذ أنّ أهم قطاع كان لبنان يتميّز به هو قطاعه المصرفي، ولكن بسبب ديون الدولة، وعلى رأسها ديون الكهرباء التي قضت على القطاع المصرفي، وأصبح المواطن اللبناني يشحذ 100 دولار من «البنوك» ويكفي ما يعانيه المواطنون اللبنانيون الذين أودعوا أموالهم في «البنوك» ولا يستطيعون أن يحصلوا على حفنة من الدولارات الى المعاناة التي يتعرّض لها الطلاب اللبنانيون الذين يدرسون خارج لبنان.
وحده حاكم مصرف لبنان، وبحكمته وبهندساته المالية، حاول أن يؤجل تفاقم الأزمة المالية لسنين. ولكن ماذا يفعل وحده؟ ففي الوقت الذي يحافظ الحاكم على سعر الصرف، تقوم الحكومات بالإقتراض من البنك المركزي، بالرغم من تحذيرات ونصائح الحاكم، ولكن لا حياة لـمَن تنادي. سيذكر التاريخ أنّ حاكم مصرف لبنان اخترع العجائب لينقذ القطاع المصرفي، لكنه لم يجد أحداً في الدولة يصغي لتحذيراته أو لنصائحه. 3 سنوات قضاها الرئيس سعد الحريري: بين العذاب والقهر والمحاولات العقيمة، مع جبران باسيل من دون أي فائدة.
3 سنوات، ليُحَلّ موضوع الكهرباء، ومئات الساعات من الاجتماعات واللجان، كلها فشلت في تعيين مجلس إدارة للكهرباء وهيئة ناظمة لها، لأنّ جبران يريد أن يستأثر بالتعيينات لنفسه من دون مشاركة أي فريق من الشركاء السياسيين، وخصوصاً أنه لا يعتبر أنّ هناك مسيحياً واحداً في الدولة يمكن أن يعَيّـن من غير جماعته.
هذه المعاناة دفعت الرئيس سعد الحريري الى الإستقالة والوصول الى حائط مسدود جعله يرفض المشاركة في رئاسة حكومة يكون فيها جبران باسيل.
اليوم وبعد ثورة 17 تشرين، وبعد أزمة «الكورونا»، وبعد أزمة «البنوك»، وبعد إنفجار المرفأ، جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان في زيارتين من أجل المساعدة على تخطي الازمة، التي وقع فيها، وفي زيارته الثانية وضع مشروعاً يؤدي الى تكليف رئيس حكومة غير محسوب على أي فريق سياسي، وأن يحاول تشكيل حكومة صغيرة العدد من مجموعة من المتخصصين غير المحسوبين على أي طرف سياسي، وأن تكون الحكومة مشكّلة من وزراء حياديين، والأهم أن تكون حكومة منتجة. لذلك نظن أنّ هناك فرصة تاريخية لإنقاذ لبنان.
لذلك نقول للرئيس: «إنّ قوله بعدم وجود وزراء متخصصين مستقلين، لأنّ كل لبناني عنده ميول سياسية»... هذا الكلام غير مقبول. ففي لبنان رجالات متخصصون لامعون، نجحوا ووصلوا الى أعلى المراكز في كل بلاد العالم، فكيف لا يوجود أمثالهم في لبنان؟ والأهم أنّ من اللبنانيين في الخارج مَن تبوّأ سدّة رئاسة الجمهورية، ومنهم من وصل كي يكون أغنى رجل في العالم. أمّا كلام جبران باسيل عن المداورة، فليته لم ينطق، لأنه ينطبق عليه قول «نطق بدري وهو لا يدري».
ونحب أن نلفت نظر فخامته أنّ أحد المقرّبين جداً منه صرّح أنّ مجموعة من اللبنانيين المميزين في بلد عربي قالوا له: إذا بقيَ الرئيس ينفّذ ما يقوله له صهره جبران فإنه سوف يضطر أن يترك قصر بعبدا مرة ثانية كما فعل عام 1989. هنا لا بد من الإشارة الى كلام سيّد بكركي غبطة البطريرك بشارة الراعي الذي يردد كل أحد في عظته، أنّ الشعب اللبناني يريد حكومة حيادية، ويريد حكومة مصغّرة، ويريد حكومة نظيفة ومنتجة، وهذه مطالب محقة، وأنه إذا توفرت النيات الحسنة فستشكل حكومة جديدة.
أمّا متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة فقد قال كذلك أكثر من مرة إنّه ضد الفساد، ويجب تشكيل حكومة نزيهة، مستقلة، وزراؤها من الاختصاصيين المميزين الذين لم يسبق أن غرقوا في أي شبهة. كلمة أخيرة، ليكن معلوماً أنّ الرئيس المكلف لن يرضخ لأي شروط لأنه جاء على أساس معيّـن لا يمكن أن يقبل بغير الشروط التي كلف على أساسها.