صورة لا تحتاج الكلام

صورة لا تحتاج الكلام

المغرب اليوم -

صورة لا تحتاج الكلام

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

فى الحروب والأزمات الكبرى تتنافس وكالات الأنباء على التقاط الصور الفريدة، قبل أن تتنافس على نقل الأخبار، وهى تفعل ذلك لأنها تعرف أن الأخبار بطبيعتها تظل متاحة للوكالات كلها تقريبًا، ولكن الصورة من هذا النوع لا تُتاح إلا للمحترفين الكبار من المصورين، ولأن الصورة إذا كانت فريدة حقًا فإنها تساوى ألف كلمة وأكثر.

والصور التى بهذا المعنى قليلة ونادرة، وتكاد تكون معدودة على أصابع اليدين، لأن المصور فيها يظل مدعوًا إلى اقتناص لقطة بعينها، ولأن هذه اللقطة لا تنتظره وإنما هو الذى يكون عليه أن يفتش عنها، فإذا صادفها راح يمسك بها ويجسدها بعدساته على الفور، وما بعد ذلك معروف عندما تعيش الصورة حية على المدى الطويل.

إن حرب فيتنام، على سبيل المثال، لا تعيش إلى اليوم إلا بالصورة التى التقطها مصور شديد الاحترافية لفتاة قيتنامية كانت تجرى عارية تمامًا، بينما جسدها يحترق بالنابالم الذى كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترمى به الفيتناميين.. ولا شىء ينافس هذه الصورة إلا النصب التذكارى الذى أقامته الولايات المتحدة فى واشنطن، ثم نقشت عليه أسماء ٥٩ ألف أمريكى سقطوا فى تلك الحرب.. ولكن صورة الفتاه الفيتنامية أقوى بكثير طبعًا.

ولاتزال صورة محمد الدُّرة محفورة فى الأذهان، فالإسرائيليون كانوا فى أثناء انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠ قد حشروه مع أبيه فى زاوية ضيقة خلف برميل أسمنتى، وكان أبوه يحتضنه ليحميه من طلقات الرصاص، وكان يتلقى الطلقات نيابةً عنه، وقد بدا كلاهما وكأنه يتقى الطلقات بالآخر، ولكن المحاولات كلها لم تنجح فى صد شىء، وكتب الله للصورة أن يلتقطها مصور فرنسى، وعاشت الصورة تلعن المحتل فى كل صباح.

وفى غمرة طوفان الأقصى الذى أطلقته كتائب القسام على إسرائيل فى ٧ أكتوبر، نجح مصور وكالة «رويترز» فى التقاط صورة من الصور الباقية.

كانت الصورة لمسعف يركض وهو يحمل طفلًا فلسطينيًا أصابته الرصاصات الإسرائيلية.. كان الفزع كله مرسومًا على ملامح المسعف، وكان يندفع فى طريقه لا يعرف إلى أين يتجه، ولا أين يختبئ، وكان الحطام من حوله ينطق بواقع الحال، وكان الطفل فى دنيا أخرى لا يدرى بشىء مما تمتلئ به الأجواء فى غزة المحاصَرة.

هذه صورة سوف تعيش، والذين يأتون فيما بعد لن يكونوا فى حاجة إلى كلام ليفهموا ماذا جرى بين الإسرائيليين والفلسطينيين فى طوفان السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، ففى هذه الصورة ما يكفى من الكلام، وفيها ما ينطق بما كان، وفيها ما يُغنى عن كل بيان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورة لا تحتاج الكلام صورة لا تحتاج الكلام



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 16:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك
المغرب اليوم - مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب

GMT 22:58 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

الأحرش بطلا للمغرب في القفز على الحواجز

GMT 02:12 2021 الجمعة ,17 أيلول / سبتمبر

أجمل المعالم السياحية في جزيرة كريت اليونانية

GMT 16:08 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

بني ملال تبحث تدبير ما بعد فترة "الحجر الصحي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib