بقلم - سليمان جودة
ربما لا يعرف الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة الجديد، أنه أسعد الملايين من أهل العاصمة بقراره منع قطع الأشجار فى قاهرة المعز، أو تقليمها تقليمًا جائرًا، إلا بالرجوع إلى لجنة قام بتشكيلها، وبإشراف من وزارة البيئة.
ولكن الذى يعرفه المحافظ بالتأكيد أن كثيرين ضجوا طوال أيام المحافظ السابق من قطع أشجار العاصمة، وبغير أن يجدوا أحدًا فى ديوان المحافظة يستمع إليهم أو حتى يُعيرهم أى اهتمام.. ولو أنى نشرت الصور التى وصلتنى من قراء كرام عن شكل شوارعهم قبل تجريدها من أشجارها، ثم شكلها بعد تجريدها من الأشجار، فإن هذه الصفحة من الجريدة لن تكون كافية ولا عشرات الصفحات مثلها.. كان كل واحد فيهم يصور الشارع قبل وبعد، فإذا حن إلى شارعه بصورته القديمة راح يتطلع إلى شاشة موبايله بينما الحزن يملؤه والأسى يحاصره.
وعندما جاء طقس هذا الصيف بهذه القسوة، فإن كل واحد من أهل العاصمة قد ازداد إحساسًا بقيمة الشجرة التى كانت أمام بيته أو فى الشارع المؤدى إليه، ثم لم يعد لها وجود، وصار الشارع عاريًا فى صيف هو أحوج ما يكون إلى كل ورقة خضراء تخفف من قسوة الطقس.
إن القرار الذى اتخذه المحافظ الهُمام تأخر طويلًا وكثيرًا، والذين رأوا عواصم أخرى، يعرفون أن مثل هذا القرار يمثل دستور عمل فيها، وأنه لا أحد هناك يجرؤ على قطع شجرة، ولا على انتزاع فرع منها، إلا بإذن مسبق وبتصريح من جهات مختصة أمينة.
والقصة تبدأ من التعليم فى موضوع الشجر وفى سواه لأن المواطن إذا لم يتعلم قيمة الشجرة فى حياته، وإذا لم يعرف فى مدرسته معنى أن اللون الأخضر لا بد أن يكون هو السائد والغالب أمام عينيه فى كل مكان يذهب إليه، فلا قانون سوف يمنعه من الاعتداء على الأشجار فى كل مكان ولا شىء سوف يردعه.
ولذلك.. فما بادر به الدكتور صابر مشكورًا هو حل على المدى القصير، أما الحل على المدى الطويل فهو أن يكون الموضوع مادة يدرسها الطالب وينشأ عليها، فتتحول مع الوقت إلى سلوك حياتى راسخ يمارسه ويتصرف فى كل الأوقات على أساسه.
ولأن الأمر لا يخص أبناء العاصمة وحدهم، فإن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، مدعو باعتباره رئيس مجلس المحافظين إلى إصدار توجيه صريح لهم على امتداد محافظات الجمهورية بأن يتصرفوا فى محافظاتهم كما تصرف محافظ العاصمة.. فليس من المتصور أن يكون قطع شجرة فى القاهرة شرق النيل ممنوعًا، ثم يكون الفعل نفسه متاحًا وممكنًا فى الجيزة غرب النيل على الجانب الآخر!.
من حق المواطن أن يحصل على درجة من الجودة فى أمور حياته كلها، ولا بد أن قرار محافظ القاهرة بداية فى هذا الطريق.. صحيح أنها بداية متأخرة وخجولة، ولكن علينا أن نشجعها وأن نتمسك بتعميمها فى أنحاء الجمهورية.