نظرة سريعة على الجزء الشرقي من خريطة العالم سوف تقول لنا إن جزيرة تايوان تقع في القلب من هذا الجزء، وإن مياه المحيط الهادي تحيط بها من الجهات الرئيسية الأربع، وإن موقعها هو إلى الجنوب الشرقي من الصين.
وسوف تقول المعلومات الأساسية عنها، إن اسمها في السابق كان فورموزا، وإنها تبعد عن الصين 140 كيلو متراً تقريباً، وإن مضيقاً يفصل بينها وبين الشواطئ الصينية على المحيط، وأن اسمه مضيق تايوان.
ورغم أن هذه الجزيرة لا تكاد تغيب عن مانشيتات الأخبار في وسائل الإعلام، إلا أنها كانت تحتل هذه المانشيتات أكثر خلال الأيام القليلة الماضية، وكان السبب أن انتخابات رئاسية جرت فيها، وأن نتيجة الانتخابات قد جرى الإعلان عنها يوم السبت 13 من هذا الشهر، وأن لاي تشينغ تي كان هو المرشح الفائز فيها.
ورغم أنه كان قبل الانتخابات شخصاً معروفاً في البلاد، ورغم أن الذين يتابعون شأن بلاده يعرفونه قبل فوزه، بحكم إنه كان نائب تساي تساي إنغ وين، الرئيسة السابقة للجزيرة، إلا أن الإعلان عن فوزه لم يصادف ارتياحاً لدى الصين.
وكان سبب عدم الارتياح أن الحكومة في بكين تعرفه، أو بمعنى أدق تعرف أفكاره، وتعرف أن من بين هذه الأفكار تأييده لاستقلال تايوان عن الصين، التي ترى الجزيرة منطقة صينية تتمتع بالحكم الذاتي.. وقد سارعت الحكومة الصينية فوصفت لاي تشينغ بأنه «مثير للمشاكل» وأضافت أن فوزه لن يعوق التوجه نحو إعادة التوحيد بين الجزيرة والصين لأنه توحيد حتمي.
وليس سراً أن أهمية تايوان وحيويتها تنبع منها في حد ذاتها، ثم تنبع مرة ثانية من موقعها، فأما التي تنبع منها في حد ذاتها فلأن الجزيرة تنتج ما يقرب من 70 ٪ من أشباه المواصلات في العالم، وهذا ما يعطيها أهميتها لأن هذه الأشباه تدخل في صناعات دقيقة كثيرة، وأما الذي ينبع من موقعها فلأن 50 ٪ من الحاويات المنقولة حول العالم تمر من خلال مضيق تايوان، وبالتالي، فهي جزيرة حيوية للغاية وموقعها مؤثر جداً في حركة التجارة العالمية.
وإذا كان لاي تشينغ تي قد فاز في 13 يناير، فهو لن يتولى السلطة إلا في العشرين من مايو، وسوف يكون علينا أن ننتظر إلى هذا التاريخ لنرى من بعده كيف سيتصرف الرجل عندما يكون على رأس الجزيرة، وعندما يجد أن خيوط السلطة كلها في يده؟
إن هناك فارقاً كبيراً بين أن يكون نائباً للرئيسة فيقول ما يحب ويشاء، ويتحدث عما يرى من الأفكار، وبين أن يكون هو الرئيس فيكتشف أن ما يقوله محسوب عليه بالكلمة، وأن عليه أن يتمهل قبل أن يقول ما يريد أن يقوله للعالم من حول الجزيرة.
وبمعنى آخر، فإن التجربة في مثل حالة لاي تقول إن كثيرين من الساسة يتشددون في أفكارهم ما داموا خارج السلطة، وإن هذا التشدد سرعان ما يتحول قليلاً أو كثيراً عندما يجدون أنفسهم في مواقع المسؤولية، فيتبدل الحال إلى نوع من الواقعية السياسية التي تتعامل مع الواقع حسب قواعده المستقرة، لا حسب ما يقول التشدد القديم ويشير!
ولأن الجزيرة موضع شد وجذب طول الوقت بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الصين، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان حريصاً منذ لحظة الإعلان عن فوز الرئيس الجديد على أن يهدئ ولا يواصل التصعيد، فقال عقب الإعلان عن فوز تشينغ أن واشنطن لا تدعم الاستقلال بالنسبة لتايوان، وهذا من شأنه طبعاً أن يصادف ارتياحاً لدى الحكومة في بكين.
ويمكن اعتبار هذا التصريح من جانب بايدن نوعاً من الواقعية السياسية بظلالها المختلفة، ويبقى أن نعرف ما إذا كان الرئيس الجديد سيتبنى النهج نفسه؟.. وهذا ما لن يكون متاحاً لنا قبل العشرين من مايو في هذه السنة، وقد قيل دائماً إن مَنْ يده في الماء ليس كمن يده في النار.