بقلم - سليمان جودة
النقمة على السياسة الأمريكية فى كل مكان حول العالم، لا تمنع أن إعجابا خفيا يتوفر لدى كثيرين بنظامها السياسى الداخلى.
من عجائب هذا النظام أن السباق الرئاسى ينعقد فى الثلاثاء الأول من نوفمبر كل أربع سنوات، وأنه لا يتخلف عن موعده وكأنه ساعة سويسرية مضبوطة على هذا الموعد. فمنذ الآن يعرف كل أمريكى أن السباق الذى انعقد هذه السنة يوم الثلاثاء 5 نوفمبر، سيعود لينعقد فى الثلاثاء الأول من نوفمبر 2028 دون تأخير يوم ولا تقديم يوم!.
ومن عجائبه أيضا أن المرشح الفائز لا يدخل مكتبه البيضاوى فى البيت الأبيض إلا فى 20 من يناير التالى لنوفمبر الذى انعقد فيه السباق.. فإذا كانت المسافة من الثلاثاء الأول من نوفمبر إلى 20 يناير عشرة أسابيع تقريبا، فهى فترة كافية جدا ليس فقط لأن يلملم الرئيس المنتهية ولايته أغراضه ويغادر، لكنها كافية لأن يختار الرئيس المنتخب أعضاء فريقه الرئاسى كما يفعل ترامب هذه الأيام، فيدخل البيت الأبيض فى 20 يناير وهو جاهز للعمل من أول يوم.. فكأنه فريق كرة قدم ينزل الملعب ليجرى منذ الدقيقة الأولى، ولا يملك ترف التكاسل أو التباطؤ!.
ومن عجائبه أن الرئيس المنتخب يختار أعضاء فريقه كما يحب ويهوى خلال الأسابيع العشرة، لكنه يعرف فى الوقت نفسه أن اختياره ليس نهائيا، وأن الذين اختارهم سوف يمرون على فلتر اسمه الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وأن للكونجرس أن يرفض هذا الاسم أو يرفض ذاك، وأن جلسات تنعقد داخله بهذا الشأن فلا تستثنى أحدا.
ومن عجائبه أن الناخب وهو يختار الرئيس يختار معه نائب الرئيس، فإذا خلا موقع الرئيس لأى سبب تقدم النائب ليحل مكانه إلى نهاية الفترة الرئاسية دون عودة إلى الناخبين.. وهذا ما حدث مع الرئيس ريتشارد نيكسون الذى لما استقال بسبب فضيحة ووترجيت الشهيرة عام 1974 تقدم نائبه جيرالد فورد فجلس فى مكانه على الفور!.. أو عندما تقدم النائب ليندون جونسون ليجلس فى مكان الرئيس جون كيندى بعد اغتياله عام 1963 فى دالاس!.
ومن عجائبه أن الرئيس المنتخب يزور الرئيس المنتهية ولايته فى البيت الأبيض، وأنهما يعقدان جلسة مغلقة لا يشاركهما فيها أحد كما حصل مؤخرا بين بايدن وترامب!.
ومن عجائبه أن الرئيس المنتهية ولايته إذا خطر فى باله أن يتلكأ فى مغادرة البيت الأبيض يوم 20 يناير، فإن فريق الحراسة الذى يرافقه يتولى إخراجه بطريقته ولا يفاصل فى الموضوع.. هذه العجائب على بعضها تمثل وجه أمريكا الآخر الذى قد لا نراه أو ندقق فيه، وهى عجائب تقول لنا ولغيرنا إن أمريكا التى نراها ونعرفها تظل من صناعة مثل هذه العجائب، وإنه لا شىء يأتى من فراغ.