مع هؤلاء لا حاجة للسودان إلى أعداء

مع هؤلاء لا حاجة للسودان إلى أعداء

المغرب اليوم -

مع هؤلاء لا حاجة للسودان إلى أعداء

سليمان جودة
بقلم : سليمان جودة

دخلت الحرب في السودان شهرها السادس، والذين تابعوا بداياتها لا بد أنهم انشغلوا عنها إلى أن فوجئوا بأنها دامت هذا المدى الزمني الطويل، ولا بد أنهم لاحظوا أن بلوغها الشهر السادس ترافق مع تطورات في الميدان، تبعث على القلق أكثر مما تبعث على شيء آخر.

كان في المقدمة من هذه التطورات أن عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، غادر مقر قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم، واستقر من بعدها في مدينة بورتسودان في شرق البلاد، ثم بدأ في جولة خارجية انطلقت من مصر، وتواصلت إلى جنوب السودان، وإريتريا، وقطر، وتركيا، وأخيراً كان قد وصل إلى أوغندا.

والمشكلة ليست في الجولة في حد ذاتها طبعاً، ولكن المشكلة أن تجواله بين الدول الست توازى مع تصعيد غير مسبوق من جانب قوات «الدعم السريع»، التي تقاتل الجيش منذ 15 أبريل (نيسان) من هذه السنة، والتي يقودها محمد حمدان (حميدتي).

والتصعيد من جانبه أخذ مستويين: مستوى أول تمثل في الحديث عن الدعوة إلى نظام حكم فيدرالي في البلاد، وأيضاً إلى جيش جديد، وبغير أن يشرح ماذا بالضبط يقصد بما يتحدث عنه في الحالتين. وأما المستوى الثاني فكان هجوماً واسعاً من جانب قواته على مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، وعلى مقرات حيوية أخرى في العاصمة وفي أمدرمان.

ومن الطبيعي أن الهجوم على مقر القيادة العامة بالذات مقلق للغاية، لأن الاستيلاء عليه قد يعني الاستيلاء على العاصمة، بكل ما في ذلك من المعاني والتداعيات والظلال.

وفي البداية كان الظن أن خروج البرهان من الخرطوم مرتبط بالرغبة في طمأنة السودانيين على قائد الجيش، وعلى الجيش بالتالي، وكان الظن كذلك أن قائد الجيش سرعان ما سوف يعود إلى مقر قيادته العامة، ولكن غيابه عن العاصمة طال أكثر من اللازم، وكانت فترة الغياب موزَّعةً بين البقاء في بورتسودان تارةً، والذهاب إلى محطة من وراء أخرى في الجولة الخارجية تارةً ثانيةً.

وفي هذه الأثناء وقع تصعيد أشد من الجانب الآخر، فأعلن قائد قوات «الدعم السريع» أنه سيشكّل حكومة في الخرطوم، إذا ما شكّل قائد الجيش حكومة لتصريف الأعمال في بورتسودان، وبدا الأمر والحال كذلك كأن هناك مَنْ يهيئ البلاد للتقسيم، الذي كان الحديث عنه يتردد على استحياء عند بداية الحرب، ثم مضى يقال في العلن وهي في شهرها السادس.

ومع أن ظهور البرهان يوم خروجه من الخرطوم كان ضرورة من بين ضرورات، ومع أن انتقاله من العاصمة إلى سواها من المدن وتجواله بين دول الجوار وغيرها، كان بمثابة ضرورة أخرى في قائمة الضرورات، فإن عودته إلى عاصمة البلاد كانت ولا تزال ضرورة أشد، لأن السيطرة على العاصمة في أي بلد، هي إعلان بالقبض على زمام البلد من أوله إلى آخره، حتى ولو كانت السيطرة غير متحققة عملياً على الأرض.

ولا أحد يعرف كيف حسبها قائد الجيش حين غادر الخرطوم، ولا كيف يحسبها حين يبقى خارجها كل هذه المدة متنقلاً بين بلاد مختلفة، ولكن ما نعرفه أن حسم هذا الصراع الدائر لا بد أن يكون داخل السودان، قبل أن يتم خارجه بالزيارات المتتالية، أو بالبقاء في إحدى مدن الشرق بعيداً عن العاصمة، فلا تزال للعاصمة رمزية لا تخفى أهميتها في كل الأحوال.

ولم يكن لقاء دول الجوار السبع الذي دعت إليه القاهرة في 13 يوليو (تموز)، أفضل حظاً من حظ لقاءات جدة التي توالت وتتابعت نظراً لفشل الجيش والدعم لمواصلة الحوار، وفي حالة جدة كان الرهان على أن تعلو مصالح السودان العليا ما عداها، وكانت القاهرة تراهن على الشيء نفسه، ولكن الرهان كان في الحالتين لا يصادف هوى لدى الذين لا يشغلهم إلا السعي إلى السلطة على جثة بلد بكامله.

وعندما كثفت قوات الدعم من هجومها في محيط القيادة العامة، ارتفعت أعمدة الدخان في فضاء المكان كما لم ترتفع من قبل على طول الأشهر الستة، وبدا أن تكثيفاً كهذا لم يكن ليحدث في حضور البرهان في العاصمة، وبدا كأن قوات الدعم تستعرض عضلاتها في غياب الرجل، وكانت المفارقة المؤلمة أن الخرطوم راحت تحترق على أيدي مَنْ يحملون الجنسية السودانية في بطاقات الهوية، لا على أيدي أعداء اقتحموها وأضرموا فيها النار.

السودان يبدو متروكاً لمصيره، ولا تزال «قوى الحرية والتغيير» غائبة عن التأثير رغم أنها كانت تملأ الخرطوم صخباً قبل الحرب، وقد كان الظن أن قربها من المكون العسكري قبل بدء القتال، سوف يجعلها قادرة على فعل شيء ينقذ البلد مما هو ذاهب إليه، ولا بد أن التاريخ سيحاسبها أكثر مما سوف يحاسب أي طرف آخر، لأن غيابها لا مبرر له كما أنه لا يزال يبحث عن تفسير.

تابع العالم أعمدة الدخان في سماء العاصمة، ولسان حاله يقول: إن السودان الذي يحرقه هؤلاء ليس في حاجة إلى أعداء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مع هؤلاء لا حاجة للسودان إلى أعداء مع هؤلاء لا حاجة للسودان إلى أعداء



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib