العالم من دون ترمب
عطل فني يجبر طائرة روسية على الهبوط اضطراريًا في مطار شرم الشيخ الدولي هيئة الطيران المدني تعلن إعادة تأهيل كاملة لمطاري حلب ودمشق لاستقبال الرحلات من كافة أنحاء العالم رهينة اسرائيلية توجه رسالة لـ نتننياهو وتُحذر من أن بقاءها على قيد الحياة مرتبط بانسحاب جيش الإحتلال الديوان الملكي السعودي يُعلن وفاة الأميرة منى الصلح والدة الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود الإدارة الجديدة في سوريا تفرض شروطاً جديدة على دخول اللبنانيين إلى أراضيها الجيش الأميركي يبدأ بتجهيز معسكر جدي في محافظة حلب شمال سوريا الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير حي بالكامل شمال قطاع غزة الجيش الروسي يعترض ثمانية صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا وبسيطر على قرية جديدة في مقاطعة لوجانسك ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 45,717 منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023 مستشار النمسا يعلن تنحيه عن منصبه وترشيح وزير الخارجية لخلافته
أخر الأخبار

العالم من دون ترمب!

المغرب اليوم -

العالم من دون ترمب

سليمان جودة
بقلم : سليمان جودة

في إحدى قصصه القصيرة كان نجيب محفوظ قد راح يصوِّر منذ وقت مبكر، كيف أن الإعلام يملك القوة التي تجعل الأشياء موجودة ومؤثرة للغاية، أو يجعلها غير موجودة وغير مؤثرة على الإطلاق بالدرجة نفسها، كما سوف نرى من سياق هذه السطور!

كان ذلك منذ وقت مبكر لأن القصة التي صوَّرت هذا الموضوع، نُشرت ضمن مجموعة قصصية في طبعتها الأولى عام 1962، وكانت المجموعة تحمل هذا العنوان: «دنيا الله»!
القصة عنوانها «ضد مجهول» وكانت تدور في حي العباسية، أحد أحياء القاهرة القديمة، وكان البطل فيها ضابط بوليس ظل من أول القصة إلى آخرها يبحث عن الجاني في جرائم متكررة، كان مرتكبها يقترفها بطريقة واحدة وأسلوب واحد لم يكن يتغير ولا يتبدل، من دون أن يترك وراءه أي أثر يمكن الاستدلال به عليه!

كان أبناء الحي العتيق يستيقظون كل أسبوع أو أسبوعين على جريمة جديدة، وكانوا يعثرون على المجني عليه مخنوقاً بحبل دقيق يدور حول الرقبة، ولم يكن الأسلوب يختلف مع تنوع شخصيات المجني عليهم، وفي كل مرة كان الضابط يكاد يصاب بالجنون، لأن الجاني كان يبدو كأنه هبط من كوكب آخر إلى الأرض ليرتكب جريمته ثم يعود إلى حيث كان، أو يتبخر تماماً، إذا شئنا الدقة في التعبير، عما كان يحدث، وعما كان الضابط يجد نفسه في مواجهته في كل المرات!

وقد وصل الأمر إلى حد أن الأهالي عثروا ذات يوم على قتيل جديد، ألقى القاتل جثته على جدار من الجدران الخلفية لقسم الشرطة، وإلى الدرجة التي كان الضابط الحائر يستطيع معاينة الجثة من نافذة مكتبه الذي يطل على موضع إلقاء جثة القتيل!

ووصلت الأمور إلى ذروتها في يوم آخر عثروا فيه على جثة الضابط نفسه في مكتبه، بعد أن أنهى القاتل المتخفي حياته بالطريقة ذاتها التي قضى بها على كل الذين سبقوه!
وقد شاع الذعر في أنحاء الحي، وبلغ الهلع حد أن أبناءه الذين يستطيعون مغادرته قد غادروه، ودعا مدير أمن القاهرة إلى اجتماع في مكتبه حضره كل ضباط مباحث العاصمة، وانتهى الاجتماع إلى التوجيه باستمرار البحث بقوة عن الجاني، ثم انتهى إلى قرار غريب من المدير كان هو اللافت في الموضوع!

كان القرار أن يتوقف النشر عن الجرائم التي جرى ارتكابها، وكذلك عن أي جريمة جديدة تقع، وكان تقدير صاحب القرار في حينه، أن الخبر إذا اختفى من الصحف فإنه يختفي من الدنيا!

لاحِظْ أننا نتحدث عن بداية الستينات من القرن الماضي، وأن القصة التي نشرها أديب نوبل في كتاب عام 1962، قد كتبها بالضرورة قبل ذلك بفترة، ومن المحتمل أن يكون قد كتبها نهاية الخمسينات، أي قبل بدء بث إرسال التلفزيون في البلد أصلاً، وفي وقت كان الإعلام المؤثر يتمثل في صحف حكومية ثلاث ولا يتمثل في سواها، باستثناء الإذاعة طبعاً التي كانت قد سبقت قبل ذلك بثلاثة عقود!

وكان المعنى أن الإعلام وقتها هو الصحف الحكومية الثلاث الموجودة ومعها الإذاعة، وكان المعنى أيضاً أن ما يجد سبيله إلى الناس من خلالها هي الثلاث صحف ومن خلال الإذاعة، هو فقط الذي تستطيع أن تصفه بأنه موجود في حياة المواطنين، وأن ما يضل السبيل إلى الإذاعة والصحف الثلاث، لا تستطيع أن تصفه بأنه موجود ولا بالتالي مؤثر، لأنه ببساطة لا أحد يتكلم عنه ولا يتناوله!

وهذا بالضبط ما كان مدير الأمن يراه، وهو يفكر في طريقة توقف الفزع الذي استولى على أبناء الحي، ثم استولى على أنحاء العاصمة بكاملها، بل البلد كله مع الحي والعاصمة، من جراء جرائم كانت تظهر في أعين الضباط المعنيين بمقاومة الجريمة أنفسهم، كأن واحداً من الجن يرتكبها واحدة تلو الأخرى مطمئناً إلى أنه جنٌّ لا تراه العين!

كان محفوظ يستشرف المستقبل بشكل عجيب، وكان يرى من هناك في بدء ستينات قرن مضى، ما سوف نجد أنفسنا منشغلين به في بدء العقد الثالث من القرن الجديد!
إنني أتساءل منذ العشرين من الشهر الماضي، عن رجل كان إلى قبل هذا اليوم بساعة واحدة يتهيأ لمن يتابع أخباره، كأن شاعرنا أبو الطيب المتنبي كان يقصده على وجه التحديد، عندما تحدث في زمانه عن شيء أو عن رجل يمكن أن: يملأ الدنيا ويشغل الناس!

هذا الرجل لا بد أنك خمّنت اسمه، إذا كان قد فاتك أن ترى الاسم في عنوان هذه السطور، فإنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي لمّا تخلى عنه الإعلام بكل معانيه وتجلياته العصرية، اختفى عن الأنظار في لحظة وطواه النسيان!

من الجائز بالطبع أن تلمح اسمه هنا، أو أن تطالع صورته هناك، ولكن أين مثل هذا الظهور العابر من زمن كان الرجل فيه يطغى إعلامياً على كل ما سواه، وكان هو محط العيون في كل اتجاه، ومهبط الكاميرات في كل مكان قد يحل فيه؟!

وإذا شئنا الدقة أكثر، كان لنا أن نقول إن الرجل قد ابتلعه النسيان المفاجئ في الإعلام، بعد أن فقد القدرة على التأثير قبل العشرين من الشهر الماضي ببضعة أيام، وتحديداً منذ السادس من الشهر ذاته، عندما اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس في العاصمة واشنطن، على نحو فريد لم تشهد البلاد مثيلاً له على مدى تاريخها الممتد لقرنين ونصف قرن من الزمان!

فبعد ساعات من واقعة الاقتحام التي هزّت الولايات المتحدة وصدمت العالم، كانت إدارات مواقع التواصل الاجتماعي قد بادرت فتعاملت مع ترمب، بذات الطريقة التي تعامل بها مدير أمن القاهرة مع الجاني الذي كانت جرائمه قد روّعت الحي والعاصمة!

إننا إذا رفعنا مدير الأمن من القصة، ووضعنا في مكانه مدير موقع «تويتر» على سبيل المثال، ثم إذا رفعنا كلمة الجاني من قصة محفوظ، ووضعنا في محلها اسم الرئيس الأميركي السابق، فلن يختلف الحال في قليل ولا في كثير، وسوف يظل تماسك القصة كما هو في وقت كتابتها من دون تغيير في شيء!

كان قد تبين أن الرئيس السابق يعيش ويتنفس في إعلامه الخاص، وكان قد خاصم الإعلام التقليدي منذ أن كان مرشحاً في سباق الرئاسة، وكان رهانه كله على حسابه الإلكتروني في «تويتر» وفي غير «تويتر»، وكان يغرد فيملأ الدنيا ويشغل الناس، ولم يكن يجري في خياله أن يوماً يمكن أن يجيء فيكتشف فيه أن سلاحه الأهم قد جرى نزعه من يده، وأنه من غير هذا السلاح يظل أقرب إلى الغياب منه إلى أي حضور!

كان موجوداً بالطبع كإنسان وقت فرض الحظر على حسابه، ولا يزال موجوداً بالصفة الإنسانية نفسها بعد فرض الحظر، ولكن الموضوع هو وجوده المؤثر في دنيا الناس، تماماً كما كان قاتل العباسية الخفي موجوداً في مكان لا يعرفه أهل الحي، ولكنهم كانوا يعاينون أثر وجوده بكل الحواس، وبكل ما هو فوق الحواس المتعارف عليها في حياة البشر!

والقصة أن الإعلام إعلام في الحالتين، ولا يختلف حاله من إذاعة وصحف ورقية كانت وحدها تنشر أنباء قاتل العباسية فتؤسس لتأثيره قبل وجوده، إلى فضاءات غير مرئية كان شاغلها الأميركي يصول فيها ويجول، فكان تأثيره يتأسس من خلالها قبل أن يكون له وجوده الشخصي بكل معناه!

الإعلام إعلام في كل الأوقات، ولكن نفي التأثير النافذ عبر فضاءاته بأي حيلة، لا يمكن طبعاً أن ينفي حقيقة الوجود!

نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط" .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم من دون ترمب العالم من دون ترمب



GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 06:54 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:58 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
المغرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 01:50 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

مندوب فلسطين بالأمم المتحدة يوجه رسالة من غزة
المغرب اليوم - مندوب فلسطين بالأمم المتحدة يوجه رسالة من غزة

GMT 03:11 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

روما يضرب موعداً مع الميلان في ربع النهائي

GMT 19:51 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

الإطاحة بخليجيين وعاهرات داخل "فيلا" مُعدّة للدعارة في مراكش

GMT 03:53 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

نجلاء بدر تُنهي تصوير 75% من مسلسل "أبوجبل"

GMT 05:39 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

الحبيب المالكي ينقلُ رسالة الملك لرئيس مدغشقر الجديد

GMT 05:34 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

وجهات رومانسية لقضاء شهر عسل يبقى في الذاكرة

GMT 19:09 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

أياكس ينتزع فوزًا صعبًا من أوتريخت في الدوري الهولندي

GMT 11:00 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

إيدي هاو يُقلّل من أهمية التقارير التي تحدثت عن ويلسون

GMT 09:56 2018 الأحد ,16 كانون الأول / ديسمبر

نصيري يؤكّد صعوبة تحويل الأندية إلى شركات

GMT 02:29 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

هاشم يدعم قضية تطوير المنظومة التعليمة في مصر

GMT 17:53 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أفضل مطاعم العاصمة الأردنية "عمان"

GMT 23:05 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الفرنسي يسخّر من ترامب بعد رفضه زيارة المقبرة التذكارية

GMT 05:40 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الأميركية كيتي أونيل أسرع امرأة في العالم عن 72 عامًا

GMT 22:39 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيدات طائرة الأهلي" يواجه الطيران الأربعاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib