هذا ما يقول به تاريخ الصراع

هذا ما يقول به تاريخ الصراع

المغرب اليوم -

هذا ما يقول به تاريخ الصراع

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

عندما أحرز العرب نصر أكتوبر (تشرين الأول) 1973، كان حزب العمل هو الذي يحكم في تل أبيب، وكانت غولدا مائير على رأس الحكومة، وكان موشي ديان على رأس وزارة الدفاع، وكان ديفيد أليعازر على رأس رئاسة أركان الجيش، وكان إيلي زعيرا على رأس المخابرات العسكرية.

وحين وضعت الحرب أوزارها في تلك السنة، ذهب الأربعة إلى لجنة أجرانات الشهيرة، ووقفوا أمامها كما يقف المتهم أمام العدالة، وراحت اللجنة تسألهم وتُسائلهم جميعاً، وخرجوا منها مُدانين أمام الإسرائيليين، قبل أن تدينهم هي وتضع مسؤولية الهزيمة التي لحقت بإسرائيل في رقبة كل واحد فيهم، وبغير أن تستثني منهم أحداً.

وكان لا بد أن تذهب غولدا مائير عن رئاسة الحكومة، فذهبت بالفعل وقدمت استقالتها في 1974. ومن بعدها جاء إسحاق رابين رئيساً لحكومة العمل نفسها، ولم يحدث أن قاد عملية للسلام وقتها، رغم اشتهاره لاحقاً بجنوحه إلى السلم، ورغم الحديث الدائم عن أن اغتياله في 1995 كان بسبب إيمانه بالسلام وسعيه في طريقه عن يقين فيه.

ولما خرج رابين من الحكم خرج معه العمل، وجاء في مكانه «الليكود» بزعامة مناحم بيغن، الذي عمل مع السادات إلى أن جرى توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية.

وإذا ما جربت أن تقارن بين المبادئ السياسية التي يؤمن بها كل حزب منهما ويتبعها في مقاعد الحكم، سترى أن «الليكود» أكثر تشدداً من «العمل»، الذي يبدو في سياساته أميل ما يكون إلى الاعتدال، وإن كان مفهوم الاعتدال في هذا السياق يظل نسبياً، لأن ما يراه العمل اعتدالاً في السياسات المتبَعة من جانبه تجاه الفلسطينيين بالذات، وتجاه بقية العرب في أنحاء الإقليم، يمكن ألا يكون اعتدالاً في نظر كثيرين في المنطقة.

ومع ذلك، فالحزب الذي تابع مفاوضات كامب ديفيد مع القاهرة في 1978، والذي وضع توقيعه على معاهدة السلام في السنة التالية، كان هو «الليكود» لا «العمل»، وكانت هذه مفارقة في حد ذاتها، لأن المنطق يقول العكس.

ولكن بقليل من التأمل تكتشف أنه لا مفارقة في الموضوع، لأن «الليكود» المتشدد يظل محل ثقة الإسرائيليين إذا دخل في أي مفاوضات مع أي طرف فلسطيني أو عربي، ومصدر الثقة في نظر مواطنيه أن تشدده سيمنعه من تقديم تنازلات، ولكن العكس وارد في حالة حزب العمل، لأن اعتداله المفترض سيجعله مهيأً لأن يقدم تنازلات عند التفاوض.

ومع شيء من التعديل في هذه المعادلة، هل يمكن أن يتكرر هذا في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، قياساً على ما جرى في تلك الأيام بين تل أبيب والقاهرة على يد «الليكود»؟

أما دواعي التعديل فهي أن التغيير إذا وقع في صيغة الحكم الحالية لـ«الليكود»، فسيكون بذهاب بنيامين نتنياهو وحده، لا ذهاب «الليكود» كله عن الحكم، لأن المشكلة فيه هو بالأساس، وليست في «الليكود» كصيغة تحالفية حاكمة، ولأنه إذا كان لحكومة أن تقود عملية سلام تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، فالغالب أن تكون حكومة ليكودية، حتى لا تلاحقها الاتهامات بتقديم التنازلات.

صحيح أن في حكومة نتنياهو سياسيين أشد تطرفاً منه تجاه قضية فلسطين، وفي المقدمة منهم إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، ولكن الحصة الكبرى من مقاعد الكنيست، حسب آخر انتخابات، هي في ميزان «الليكود» بصفته الكتلة الكبرى في الائتلاف الحاكم، وليست الحصة الكبرى في حزب بتسلئيل ولا في ميزان بن غفير.

ومما نتابعه في سماء الأجواء السياسية الأميركية والإسرائيلية معاً، نستطيع أن نرصد فيها تلميحات إلى أن ذهاب نتنياهو مسألة وقت، وأن إخفاقه في مواجهة هجوم السابع من أكتوبر، ثم إخفاقه في تحقيق شيء من وراء الحرب على غزة، يرشحانه بقوة للذهاب الذي لا يوجد له بديل.

وفي الفترة السابقة على نصر أكتوبر، كان مسؤولون مصريون يلتقون هنري كيسنجر، وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، وكانوا يسألونه أن تساعد إدارة نيكسون في انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الخامس من يونيو (حزيران) 1967، وكان هو يرد بما معناه أن الطرف الخاسر لا يمكنه أن يتحدث بلغة المنتصر!

فلما تحقق النصر كان هو أول الذين انخرطوا في عملية السلام التي بدأت من بعد النصر، ولم يكن قبلها يُبدي استعداده لأي انخراط من هذا النوع. وبالقياس، فإن غزة تظل من بعد الحرب عليها منتصرة، حتى ولو كان عدد شهدائها 15 ألفاً، وحتى ولو كانت نسبة كبيرة من منشآتها وبيوتها لا توجد فيها طوبة فوق طوبة. ففي بيان له يوم 26 من هذا الشهر ذكر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أن 40 ألف طن ألقاها الإسرائيليون على القطاع خلال 49 يوماً دامت فيها الحرب، وأن تقديرات الخسارة تصل إلى 12 مليار دولار.

غزة منتصرة بالمعنى الأشمل للنصر رغم هذا كله، وانتصارها هو انتصار لكل فلسطيني فيها، أو في الضفة الغربية، أو في غيرهما، وإذا تطلعنا إلى وقت مناسب لبدء تحرك جاد نحو السلام، ومحرِّض عليه، ومشجع له، فهو هذا الوقت الذي انتصرت فيه غزة، وأرغمت تل أبيب على أن تخضع لهدنة.

غزة منتصرة رغم جراحها التي تكفي العالم لو توزَّعت عليه، ولأنها منتصرة فانتصارها يُغري بالذهاب إلى تسوية تقود إلى الدولة الفلسطينية المستقلة، وليس أنسب من «الليكود» ليشارك في صناعة هذه التسوية، لأن له سابقة وربما سوابق في هذا السبيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا ما يقول به تاريخ الصراع هذا ما يقول به تاريخ الصراع



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib