الهجرة هي الهجرة ولكن أين عقل ميركل

الهجرة هي الهجرة... ولكن أين عقل ميركل؟

المغرب اليوم -

الهجرة هي الهجرة ولكن أين عقل ميركل

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

أذاعت وكالة «رويترز» للأخبار تقريراً عن الهجرة والمهاجرين في فرنسا، فأعادت إلى الأذهان سيرة امرأة أوروبية مرّت ذات يوم على القارة الأوروبية اسمها المستشارة أنجيلا ميركل. كان التقرير يقول إن مهاجرين كثيرين من شمال أفريقيا إلى فرنسا يفكرون في الهجرة منها إلى دول أوروبية أخرى، وإنهم مدفوعون إلى هذا التفكير بعد تقدم اليمين المتطرف في الجولة الأولى من انتخابات البرلمان الفرنسي، التي جرت جولتها الثانية بداية هذا الأسبوع.

تقرير الوكالة أشار إلى دراسة جرت على 350 طبيباً من أصول أفريقية يقيمون في فرنسا، وأظهرت أن خمسة وسبعين في المائة منهم يفكرون في الهجرة، وأن من بينهم أطباء تدربوا خارج فرنسا، وأطباء آخرين أبصروا الدنيا على الأراضي الفرنسية.

وكان مما جاء في التقرير على لسان واحد من علماء الاجتماع العاملين في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، أن هجرة هؤلاء الذين يفكرون في المغادرة يمكن أن تؤدي إلى تعطيل النظام الفرنسي الاقتصادي والاجتماعي بأكمله.

وهذه وجهة نظر تتطلع إلى كل مهاجر على أنه طاقة من طاقات العمل في مجتمعه الذي يعيش فيه، لا على أنه عبء كما يتطلع إليه اليمين المتطرف الفرنسي، ومعه الذين ينخرطون فيه، أو يسايرونه فيما يؤمن به من أفكار.

وكانت الوكالة قد نشرت تقريرها في الفترة الواقعة بين الجولتين، وكانت تنشره وهي متأثرة بالتأكيد بنتيجة الجولة الأولى التي كشفت عن تقدم حزب «التجمع الوطني» على كل الأحزاب، واستحواذه على ما يزيد على ثُلث أصوات الجولة، ولكن حصيلة الجولة الثانية كانت مفاجئة، لأنها دفعت بالحزب الذي تتزعمه ماريان لوبان إلى المرتبة الثالثة متأخراً عن جبهة أحزاب اليسار، وعن حزب الرئيس إيمانويل ماكرون أيضاً.

قد يكون التراجع الذي لحق بحزب لوبان المتطرف في الجولة الثانية، قد بدّد كثيراً من المخاوف التي رافقت تقدمه في الجولة الأولى، ولكن هذا لا يمنع أنه تقدم في الانتخابات كما لم يتقدم من قبلُ، ولا أنه صار شبحاً مخيفاً أو مثل الشبح، وأن الذين كانوا يتحسبون من احتمالات توسعه في الحياة السياسية وفي البرلمان قد أصبحوا يضعون أياديهم على قلوبهم.

ولم تكن عاصمة النور مرتبكة في أي وقت سابق، كما بدت مرتبكة وهي تستيقظ على نتائج الجولة الأولى، ثم وهي تتلقى حصيلة الجولة الثانية. فالأولى قد فتحت شهية حزب «التجمع» في الحكم، والثانية جعلت اليسار يرى نفسه أهلاً للسلطة، وما بين اليمين المتطرف واليسار المتطلع وقف ماكرون حائراً لا يدري ماذا عليه أن يفعل. وعندما تقدم إليه رئيس حكومته بالاستقالة، فإنه رفضها ودعاه إلى البقاء على رأس الحكومة، وقد بدا وهو يرفضها وكأنه يشتري بعض الوقت، أكثر مما يرفض استقالة لا بد منها في النهاية. فلقد تسرّع من قبلُ حين أصدر قراراً بحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة جاءت له بما لم يكن في حسبانه، والمؤكد أنه لا يرغب في أن يكرّر التسرع مرة ثانية، بعد أن رأى ماذا جلب تسرعه الأول عليه.

والسؤال الآن هو: هل ستساعد نتائج الجولة الثانية على طمأنة الذين فكروا ويفكرون في الهجرة من فرنسا بعد أن رأوا تراجع اليمين، أم أن تراجعه غير المتوقع لن يطمئنهم بما يكفي؟

حقيقة الأمر أن تقدم اليمين الفرنسي المتطرف يظل كأنه مارد خرج من قمقم، ولأنه كذلك أو أقرب إلى ذلك، فلا أحد يعرف ما إذا كان سيعود إلى قمقمه من جديد؟ وإذا عاد فهل يعود كلياً أم جزئياً؟ وفي كل الحالات ستبقى نظرته السلبية إلى كل مهاجر في خلفية المشهد، وسيبقى يرى في كل مهاجر مشروع مشكلة إلى أن يثبت العكس.

ولأن مثل هذا اليمين لا يقتصر في وجوده ولا في زحفه للأمام على فرنسا، ولأنه يتحرك في أنحاء القارة الأوروبية وكأنه عدوى، من المجر إلى هولندا إلى إيطاليا وغيرها، فإن الشيء الذي سيعمل على طمأنة المهاجرين حقاً، هو مجيء حكومة في هذه القارة من نوع حكومة أنجيلا ميركل، وقت أن كانت في دار المستشارية الألمانية تحكم.

كانت ميركل ترى في المهاجرين عوناً لاقتصاد بلادها، وكانت تشجعهم على المجيء والانخراط في المجتمع، وكانت تعوض بهم شيخوخة كثيرين من الألمان ممن هُم في سن العمل، وكانت إذا عجزت عن توفير عمل لمهاجر منهم صرفت له ما يجعله يعيش، وقد بادلها المهاجرون معروفاً بمعروف فأطلق بعضهم اسمها على مواليدهم، وشاع ذلك وانتشر.

لا بد أنّ مهاجرين كثيرين يجدون أنفسهم مضطرين إلى عقد مقارنة واجبة بين المستشارة في أيامها في برلين، وبين ماريان لوبان في باريس، ولسان حالهم يقول إن الهجرة إلى القارة العجوز هي الهجرة، ولكن أين عقل ميركل؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهجرة هي الهجرة ولكن أين عقل ميركل الهجرة هي الهجرة ولكن أين عقل ميركل



GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 07:04 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 06:58 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:11 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

المغرب يستعيد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا
المغرب اليوم - المغرب يستعيد مكانته كأول وجهة سياحية في إفريقيا

GMT 08:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ترامب يؤكد أن بوتين يرغب في اجتماع لإنهاء حرب أوكرانيا
المغرب اليوم - ترامب يؤكد أن بوتين يرغب في اجتماع لإنهاء حرب أوكرانيا

GMT 16:36 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
المغرب اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 01:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 24 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة

GMT 01:40 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

زين الدين زيدان يرفض عروض التدريب بعد رحيله عن ريال مدريد

GMT 20:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

فيسبوك يضيف "عدد المشاهدات" للصور والنص في المنشورات

GMT 02:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حكيم زياش أكثر من سجل للمنتخب المغربي في ملاعب إفريقيا

GMT 03:52 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

المنتخب المغربي يسحق نظيره اللاتفي بسداسية

GMT 11:52 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

تونس تحتضن المهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية 21 الجاري

GMT 23:56 2019 الأحد ,12 أيار / مايو

أغذية تساعدك على الإقلاع عن التدخين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib