بقلم : سليمان جودة
يرحم الله المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء السابق، الذى كان يدعو كل فترة إلى لقاء فى مكتبه، وكان يسمع فيه ما لا يمكن أن يراه فى التقارير التى يجدها بين يديه.
وما أذكره مما رأيت منه أمامى أنه لم يكن فقط يُنصت إلى ما كان يقال فى تلك اللقاءات، ولكنه كان يسجل بنفسه ما كان يسمعه فى أجندة خاصة لم تكن تفارقه، وكان يسجل بيده ولا يدعو أيًا من مساعديه إلى فعل ذلك نيابةً عنه.. وكان يبدو شديد الحرص على الإنصات وعلى التسجيل معًا.
وفى لقاء معه كانت الجلسة مخصصة للحديث عن قضية الأسعار، ولم تكن الأسعار فى ذلك الوقت بالمستوى الحالى، وكان يرغب فى العثور على حل لهذه القضية التى حيرت الحكومة ولاتزال، وكان يزعجه أن تصل السلعة إلى الناس بأكثر من سعرها المفترض، أو بسعر مبالغ فيه، وكان دائم البحث عن طريقة يحصل بها كل مستهلك على السلعة فى حدود ميزانية بيته اليومية.
وأذكر أنى دعوته فى واحد من اللقاءات إلى أن يتبنى فكرة أسواق اليوم الواحد فى أحياء العاصمة، وفى عواصم المحافظات، وفى المدن عمومًا.. وكانت الفكرة ولاتزال قادرة على خفض الكثير من أسعار السلع، خصوصًا السلع التى يبيعها المنتج المحلى إلى المستهلك مباشرة، أو التى يبيعها وسيط واحد بين المنتج والمستهلك، فلا يتعدد الوسطاء، ولا يتضاعف السعر بالتالى.
فالمشكلة هى فى تعدد الوسطاء، الذين يحصل كل واحد منهم على هامش ربح، وبما أن هذا الهامش يُضاف إلى سعر السلعة النهائى، فالفارق بين سعرها لدى المنتج وسعرها أمام المستهلك يأتى على قدر تعدد الوسطاء حتى وصولها إلى يد مستهلكها فى بيته.
وقد سمعت من الرجل فى لقاء آخر دعا إليه أنه مقتنع بالفكرة، وأنها تعجبه، وأنه يخطط لإخراجها إلى النور، وأنها حل عملى للقضية التى تؤرق كل بيت.
ولكن الوقت يبدو أنه لم يسعفه، فغادر مكتبه فى ٢٠١٨ وفى نفسه شىء من فكرة كانت تراوده، ولابد أن الأخذ بها بعد رحيله سوف يريحه فى مثواه الأخير، وسوف يريح معه الملايين من المصريين ممن يجدون فى الأسعار مبالغات غير مفهومة، وغير مبررة، وغير واقعية.. فلا يوجد بيت إلا ويجد فى الأسعار ما يفوق قدرته على الاحتمال.