نظرية النصر غزة تايوان أوكرانيا

نظرية النصر: غزة تايوان أوكرانيا

المغرب اليوم -

نظرية النصر غزة تايوان أوكرانيا

مأمون فندي
بقلم - مأمون فندي

 

غير المختصين في العلوم السياسية والاستراتيجية ربما لا يعلمون أنه وحتى الآن ليست لدينا نظرية متكاملة للنصر «Theory Of Victory»، وهذا يدعونا للتفكير في كيفية تعامل بنيامين نتنياهو مع حربه على غزة، وهل يستطيع تحقيق نصر ما، وما علاقة ذلك بنظرية النصر الروسية في أوكرانيا، وحتى أكون دقيقاً؛ مِن قبلها حرب كوسوفو، وكذلك كيف يفكّر الصينيون في نظرية النصر على الأميركان إذا ما قرروا أن يرسلوا حاملات طائراتهم إلى المضيق؟ هناك طبعاً نظام آخر مسلّح نووياً في بيونغ يانغ له نظرية مختلفة تماماً عن النصر. وضع هذه النظريات بعضها إلى جانب بعض قد يمنحنا مؤشرات واضحة لمصير نتنياهو ومصير غزة، وأيضاً مصير الوجود الأميركي في منطقة الشرق الأوسط الكبير؛ من أفغانستان إلى المغرب.

في تايوان كانت فكرة الصينيين ليس ردع الأميركان نووياً؛ لأنه، وببساطة، لدى الأميركان أكثر من خمسة آلاف رأس نووي، ولكن كانت فكرتهم هي أن الأميركان لديهم نقاط ضعف في المحيط الهادي وشرق آسيا «vulnerabilities» تجعل حتى تعريف النصر بمعنى الهيمنة في المحيط الهادي غير ممكنة، وبالتالي قد تستطيع أميركا تحقيق نصر محدود وتخسر السلام، إما في وقت الحرب أو بعد الحرب، سواء فيما يخص الهيمنة على المسرح الآسيوي من اليابان حتى تايوان، أو أنها تخسر بالمعنى الحقيقي في مساحات نقاط الضعف في قواعدها في أكوناوا جنوب اليابان، أو في غوام والفلبين وكوريا الجنوبية، وكلها مناطق ضعف يمكن للصين استغلالها، هذا إذا لم تقرر الصين استخدام صواريخها الباليستية لضرب مدن من كاليفورنيا إلى تكساس. هنا حتى نظرية النصر بمعنى الهيمنة وفرط السيطرة تبقى محدودة.

أعرف أن القارئ يتساءل: ما علاقة نظرية النصر بما يحدث في غزة؟

نظرية النصر في غزة أكثر تعقيداً منها في أوكرانيا أو في تايوان؛ ففي أوكرانيا مثلاً هناك نظرية النصر الروسية، النظرية المحدودة، والتي أساسها الاحتفاظ بحلف «الناتو» خارج نطاق روسيا، وألا تكون لـ«ناتو» السيطرة الكاملة، وأوكرانيا - وفقاً لرأي بوتين - ليست حديقة خلفية، بل هي الطريق إلى حدود غرفة نوم القيصر.

ولكنْ مهم أن نفهم نظرية النصر الشامل الأميركية، والتي بالتبعية تنسحب على العقيدة العسكرية الإسرائيلية؛ لنفهم إذا ما كان نصر نتنياهو على غزة ممكناً.

الرؤية الشاملة الأميركية للردع، والتي تمثل أقرب شيء لنظرية النصر الأميركية تتكون من ستة عناصر؛ أولها أن الروابط السياسية بين الحلفاء تكون قوية، وهذا ما حاولت إدارة أوباما تأكيده. ماذا تعني التحالفات السياسية كردع؟ لو أن كوريا الشمالية لاحظت أنه يمكن سلخ اليابان عن كوريا الجنوبية، أو عن التحالف السياسي الأميركي، فمعنى ذلك أن الردع السياسي قد انتهى. العنصر الثاني هو الحفاظ على التفوق العسكري بالأسلحة التقليدية (وهذا أيضاً ما تحاوله أميركا مع إسرائيل في منطقتنا - التفوق النوعي الإسرائيلي على العرب مجتمعين)، أما العنصر الثالث فهو قوة الضربة التقليدية المباغتة، حدث هذا في حرب العراق 2003، وربما لهذا السبب توجد حاملات الطائرات الآن لتحييد إيران عن محاولة الدخول في حرب غزة، أما العنصر الرابع فهو القوة السيبرانية والسيطرة على الفضاء، وهذا أمر ربما لا تعرفه الدول المنافسة فيما يخص القدرات الأميركية، خامساً الدفاعات الصاروخيّة في مسرح العمليات، وأيضاً على مستوى أميركا نفسها (وتدخل القبة الحديدية الإسرائيلية في إطار الأراضي الأميركية، إذ يعتبر بعض الأميركيين إسرائيل جزءاً من الوطن. أما سادساً فيخص استخدام القدرات النووية في مسرح العمليات مما يجعل الحلفاء في أمان، وأيضاً يمنع أي حرب على الأراضي الأميركية، وهذه هي نظرية الردع الأميركية الشاملة، التي يمكن وصفها بمخطط أولى لنظرية النصر الأميركية.

ولكن الاستخدام النووي الأخير، كما وضّح أهم المُنظّرين في الخمسينات من القرن الماضي بول نيتشه، هو كالملك في لعبة الشطرنج، كل التحركات للحفاظ على الملك، ولكن عندما يتحرك الملك فاللعبة تكاد تنتهي.

فهل العناصر الستة الأميركية متاحة ليحقق نتنياهو نصراً في غزة؟ أعتقد أن نتنياهو يمكن أن يكسب الحرب، ولكن، كما الأميركان، سيخسر السلام لسببين؛ الأول تاريخي يخص تلوث السُّمعة الشامل الذي ستتحمله إسرائيل من خلال قتل هذا العدد الهائل من الأطفال (هولوكوست فلسطيني)، والثاني هو فقدان الثقة مع الجوار.

إذن، مثل حروب أميركا؛ من أفغانستان إلى فيتنام، سيكسب نتنياهو بعضاً من الحرب ويخسر السلام، وقد يخسر فيما يخص التماسك الداخلي في إسرائيل نفسها.

نظرية النصر الأميركية فوق كل هذا مرتبطة بالنصر على الدول التقليدية، وقد فشلت في ردع الجماعات والحركات؛ وأبرزها حركة القاعدة وأسامة بن لادن، مما كلف الولايات المتحدة هجوماً لا يُنسى على أراضيها في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001.

وما ينطبق على «القاعدة»، ينطبق على «حزب الله» و«حماس» مع الفارق، ولكننا هنا نتحدث عن نظرية النصر ضد عدو تقليدي لديه ما يخسره، ولكن هذه الحركات ليس لديها ما تخسره، وأن النصر بالنسبة لها هو مجرد فرد واحد يخرج من بين الأنقاض ليقول إن «حماس» باقية.

فوق كل هذا، إذا كان النصر هو فرض السيادة والهيمنة على مسرح العمليات، مثل الوجود الأميركي في أوروبا أو المحيط الهادي وشرق آسيا، فلا أعتقد أن الهيمنة الإسرائيلية على منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تؤدى إلى نتائج، مثل ما يقول جماعة السلام الديمقراطي، كما يرى مُنظّروها مثل مايكل دول، أو إلى التداخل الاقتصادي كما يرى جوزيف ناي وروبرت كوهين، أو بانتشار الديمقراطية ونهاية التاريخ في الشرق الأوسط كما يرى فوكوياما.

نظرية النصر بكل أنواعها، كما تفسرها الأدبيات، لا تبشر بكثير لحكومة بنيامين نتنياهو، وليس نتنياهو وحده، بل كل الحكومات الإسرائيلية التي سيكون النصر بالنسبة لها التقوقع داخل قبة حديدية أكثر كفاءة؛ لحمايتها من صواريخ «حزب الله»، أو البقاء تحت مظلة أميركية رادعة لإيران، ولا أظن أن أميركا ستبقى في المنطقة إلى الأبد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرية النصر غزة تايوان أوكرانيا نظرية النصر غزة تايوان أوكرانيا



GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 10:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران
المغرب اليوم - شروط المملكة المغربية لإعادة علاقاتها مع إيران

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 11:20 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
المغرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:49 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

المغربية عزيزة جلال تعود للغناء بعد توقف دام 30 عامًا

GMT 02:57 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

3 مشروبات شائعة تُساهم في إطالة العمر

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أبرز الأماكن السياحية في مصر

GMT 17:04 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ديوكوفيتش يقترب من سامبراس ويحلم بإنجاز فيدرر

GMT 12:56 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الوداد ربح لقبا للتاريخ !!

GMT 22:00 2019 الأحد ,09 حزيران / يونيو

إسماعيل الجامعي رئيسا جديدا للمغرب الفاسي

GMT 02:18 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

نجمات هوليوود تحتضن صيحة "الليغنغز" الملون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib