احذروا سكاكين «أهل الكار» التنافس المشروع هو طريق الإبداع

احذروا سكاكين «أهل الكار».. التنافس المشروع هو طريق الإبداع!

المغرب اليوم -

احذروا سكاكين «أهل الكار» التنافس المشروع هو طريق الإبداع

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

فى دنيا المظاليم كُثر من أصحاب المواهب لم يحققوا ما يستحقون، من نجاح سواء على المستوى الأدبى أو المادى، إلا أن الإبداع لا يموت، سيكتشف كل من أمسك يوما بوهج النور أن النور ينتظره فى اللحظة المواتية، وفى نهاية النفق المظلم سيمسك بيديه بقعة الضوء الهاربة، على شرط ألا يتحول إحساس الظلم والغبن الذى يعيشه المبدع إلى سكين لاغتيال كل من أحاطهم الضوء وعانقوا النجاح الاستثنائى، معتقدا أنه كان الأولى بكل ذلك، وتكتشف فى نهاية الأمر أن السكين لم تنجح فى قتل منافسيه، لكنها توجهت إليه وأراقت دماءه.

التقيت مطلع الثمانينيات موسيقار كبير وهو أيضا فنان تشكيلى، من بين قلة قدمت إضافات خاصة على المستوى الإيقاعى النغمى فى موسيقانا الشرقية، إنه الموسيقار الكبير أحمد صدقى.

الحكاية أنه فى عام 53 وأثناء إعداد فيلم (ريا وسكينة) بطولة نجمة إبراهيم وزوزو حمدى الحكيم وأنور وجدى، رشحه المخرج صلاح أبوسيف لوضع الموسيقى والأغانى، وأشهرها (يا ختى عليها/ يا ختى عليها) لحظة الفوطة المبلولة على الفم ثم طقوس نزع الأساور الذهبية من النساء قبل التخلص من الجسد.

إنه الفيلم الذى صور قبل نحو سبعة عقود من الزمان، وليس قطعا المسرحية الشهيرة التى لعبت بطولتها شادية وسهير البابلى فى الثمانينيات.

الموسيقار أحمد صدقى هو الأغزر موسيقيا على المستوى الشرقى، وهو لا يكتفى فقط بالتلحين وفق الإيقاعات المتعارف عليها وصارت مستقرة، لكن لديه إضافات خاصة فى عدد من ألحانه، كان صوت أم كلثوم واحدا من أمنياته، وبالفعل تواصلت معه (الست) ورشحته لتلحين قصيدة أحمد رامى (أغار من نسمة الجنوب)، إلا أن اللحن المبدئى الذى وضعه صدقى لم يجد الحماس الكافى لدى أم كلثوم، وبعد ذلك حاولت أكثر من مرة أن تعرض عليه كلمات أخرى، لتلحينها لكن صدقى قرر ألا يعاود المحاولة مجددا مع أم كلثوم، حتى لا يجرح مرتين.

صدقى كان صريحا مع نفسه بقدر ما هو شديد الإيمان بموهبته فهو لا يمسك بالعود إلا إذا اقتنع بالنغمة التى تلاحقه، ولاحظ أن كلمات أغنية فيلم (ريا وسكينة) التى كتبها بيرم التونسى، كانت عصية، وتعثرت النغمة المطلوبة، تواصل مع صديقه ومنافسه ابن مدينة الإسكندرية الموسيقار محمود الشريف، وهو يضحك قائلا (هربت منى)، وفجأة، وقبل أن تنتهى المكالمة التليفونية، ضحك وأخذ يغنى متهللا (يا ختى عليها يا ختى عليها) والشريف يقول له (أعد يا أستاذ أعد)، كثيرا ما كان الشريف، على الجانب الآخر، يسمعه بعض أغانيه التى لحنها لليلى مراد متطلعا لرأيه، لم يشعر أبدا صدقى أنه يرشح منافسا له، بل إحساس المسؤولية هو الذى دفعه لاختيار الشريف للتلحين، قبل أن يأتى إليه الإلهام، وقبل أن ينهى المكالمة مع محمود الشريف، سعيدا بأنه أمسك ببداية الخيط اللحنى.

التنافس له وجه آخر إيجابى، تقديم نغمة جميلة لمنافس لك فى نفس المجال، يدفعك لا شعوريا لتقديم الأجمل.

ربما تجد لهذا الموقف صدى مباشرا وشهيرا فى الخمسينيات، تلك العلاقة بين محمد الموجى وكمال الطويل، تنافس، ونجاح فى الشارع، حيث كانت الجماهير تردد ببساطة ألحانهما التى كان لعبدالحليم حافظ النصيب الأكبر منها والهدف المشترك تدشين عبدالحليم حافظ، النغم الأحلى والأعمق والأكثر شعبية، الموجى يصعد جماهيريا بعبدالحليم فى أغنية (صافينى مرة) 53، فيقرر الطويل أن يطير به لأعلى 54 فى أغنية (على أد الشوق)، كان الموجى لا يستشعر بأى غيرة تجاه ألخان الطويل، وفى توقيت ما أجرا معا شقة بجوار مبنى الإذاعة والتليفزيون، وأول من يستمع للحن الطويل هو الموجى والعكس أيضا صحيح. تدفع الغيرة الفنية كل منهما لكى يقدم الأجمل، بينما مع بليغ حمدى، لم يكن الموجى سعيدا بالقسط الأكبر الذى قدمه بليغ حمدى منذ مطلع الستينيات لعبدالحليم حافظ، بينما ألحان بليغ لعبدالحليم فى السنوات الأخيرة من الخمسينيات، مثل (تخونوه) و(خسارة خسارة) و(خايف مرة أحب)، فلقد كان يرى أنها لا تحمل خصوصية، أحيانا تذكره بألحانه لعبدالحليم وأخرى يرى فيها تطابقا مع منهج كمال الطويل.

روى لى مثلا الكاتب الكبير الراحل وحيد حامد عن صداقة جمعت كلا من المخرجين سمير سيف وعاطف الطيب، وحقيقة الأمر لم أكن أدرى شيئا من قبل عن تلك الصداقة، تصورتها مجرد زمالة فقط، بعد أن رشح وحيد حامد سمير سيف لإخراج سيناريو (التخشيبة)، قال له سمير بعد القراءة: (عاطف الطيب، سيقدمه على الشاشة أفضل منى).

وبالفعل أصبح الفيلم أحد أهم عناوين الطيب ووحيد ونبيلة عبيد وأحمد زكى.

النفوس الدافئة تستطيع فى لحظات أن تعلو عن التنافس، لتدرك أن النجاح يتسع لأكثر من مجال ورؤية وعين ومذاق، وإنك جميل فى لون، وهناك من هو جميل وربما أجمل منك فى لون مغاير.

مثلا الثلاثية الشهيرة لنجيب محفوظ (بين القصرين) و(قصر الشوق) و(السكرية)، كانت بين يدى المخرج الكبير صلاح أبوسيف، الذى تربطه قناعة فكرية وشخصية وفلسفية قطعا مع نجيب محفوظ، عندما بدأ يقرأ بعين المدقق النص الدرامى باعتباره مسؤولا فى مؤسسة السينما الرسمية، جاءت الإجابة المباشرة التى ارتاح لها ضمير صلاح أبوسيف، حسن الإمام أفضل منى فى هذا اللون.

وعندما سألته عن المخرج الأكثر اقترابا للجمهور قال لى هو فعلا تجاوزنى فى تلك المساحة، لا أنا ولا يوسف شاهين حققنا جماهيرية حسن الإمام فى الشارع، وعمق ثلاثية محفوظ، تجدها فى هذا الحس الشعبى الجماهيرى.

التنافس إكسير الحياة، وفى كل المجالات، إلا أن هناك وجها آخر للصورة، عندما يدفع الجميع لمزيد من الإجادة، وما أحوجنا الآن لهذا النوع من التنافس، لأننى أرى بين الحين والآخر سكاكين مشهرة بين المتنافسين

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احذروا سكاكين «أهل الكار» التنافس المشروع هو طريق الإبداع احذروا سكاكين «أهل الكار» التنافس المشروع هو طريق الإبداع



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib