بقلم - طارق الشناوي
عدد قليل من النجوم يضع أشواكا تحميه حتى من نفسه، قد ينفلت النجم فى لحظة غضب وينسى أن السهم الذى سيطعن به الآخر سيمتد إليه لا محالة.
أراد الموسيقار محمد الموجى أن يلقن محرم فؤاد درسا، كان الموجى قد أنشأ فى الخمسينيات مدرسة موسيقية فى مكتبه الكائن بوسط المدينة فى شارع الشواربى، وقدم للساحة العديد من المطربين والمطربات، كمال حسنى ومحرم فؤاد وأحمد سامى وماهر العطار وعبداللطيف التلبانى وشريفة فاضل ومها صبرى، وصولا لهانى شاكر وغيرهم، وتباينت حظوظهم فى النجاح، منح الموجى لمحرم فى البداية أهم لحنين بدأ بهما علاقته بالجمهور، (رمش عينه) و(الحلوة داير شباكها)، فى فيلم (حسن ونعيمة)، وانطلق محرم وفتحت السينما له أبوابها وانهالت عليه الحفلات، إلا أنه لم يمنح الموجى حقوقه الأدبية والمادية، فقرر الانتقام وسحب منه أغنية (يا حبيبى قولى آخرة جرحى إيه )، التى قدمها فى ثانى أفلامه (وداع يا حب).
الانتقام الموجع أن يغنيها عبدالحليم حافظ، فى حفل (أضواء المدينة)، وبهذا تصبح أغنيته، وكان عبدالحليم يملك أسبابا خاصة للانتقام، لأنه عندما اعتذر عن تسجيل أغنية فريد الأطرش (يا وحشنى رد عليه إزيك سلامات) أسندها فريد إلى محرم، إلا أن عبدالحليم لم يرض لنفسه الدخول لتلك المعركة التى تجعله ندًا لمحرم، عبدالحليم كان يرى وحتى رحيله أنه لا يجوز أساسا أن تحدث تلك المقارنة، وبذكاء انسحب من المعركة، بينما رحبت نجاة، وفى أول حفل (أضواء المدينة) قررت أن تقدمها، وعلم محرم بما يجرى فى الكواليس وتظاهر بأن هذا الأمر أساسًا لا يعنيه، ولأن اسم نجاة الأكبر فإنها ستنهى الحفل، وصعد محرم قبلها وغنى (يا حبيبى قولى آخرة جرحى إيه)، ورددتها بعده نجاة، إلا أن الناس لم تتقبلها إلا بصوت محرم.
قطعا أداها محرم بإحساس وصدق، لأنه هضم اللحن، بينما فى تسجيل الفيلم بالفعل كان بعيدا تماما عن روح اللحن.
استمعت إلى صابر الرباعى فى لقاء قبل أسبوع مع أنغام فى برنامجها التليفزيونى، سألته كيف يختار ألحانه؟ أجابها عندما أستمع إلى اللحن وأسمع صوتى أتحمس إليه، تفصيلة فتحت أمامى إجابات للعديد من الأسئلة، لو أخذنا نموذجا (يا وحشنى رد عليه)، التى اعتذر عبدالحليم عن أدائها، ستكتشف أن اللحن كان كامنا فيه صوت فريد الأطرش، وليس فقط أنغامه، ولهذا حقق نجاحا متوسطا مع محرم، وربما نكتشف أن السبب الحقيقى أن أم كلثوم وعبدالحليم لم يقدما ألحانًا لفريد الأطرش هو كمون صوت فريد فى ألحانه، وله طغيان، فتشعر بأن أفضل من يغنى ألحان فريد هو فريد.
الملحن المطرب من الصعب أن يتحرر من هذا القيد، إلا فى القليل، عبدالوهاب كان قادرا أن يحلق بعيدا عن صوته، الأغانى التى لحنها مثلا لعبدالحليم من المستحيل أن تصدقها بصوت غيره، ولا حتى عبدالوهاب، فلا يمكن أن يغنى عبدالوهاب ألحانه مثل (عشانك يا قمر) أو (توبة) أو (أنا لك على طول).
محمد فوزى كان يستطيع التلحين للأصوات النسائية بروعة، وهكذا نجح مع ليلى مراد وشادية وهدى سلطان، وغيرهن، وأتصور أن هذا هو سبب عدم غناء عبدالحليم لألحانه، ستجد له مع عبدالمطلب اللحن الشهير (م السيدة لسيدنا الحسين) لأنه يبدو وهو يلحن كأنه يغنى بطريقة (طلب)!!.
وربما تكتشف إجابة لسؤال لم يتردد كثيرا، لماذا لم يغن عبدالحليم ألحان سيد مكاوى؟ إجابتى هى طغيان صوت سيد مكاوى، صوته دائما ممزوج بموسيقاه، حتى لحنه الشهير لأم كلثوم (يا مسهرني) تشعر بأن أم كلثوم صارت تحاكى سيد مكاوى!!.