نجاة سيدة الضوء المسموع

نجاة سيدة الضوء المسموع

المغرب اليوم -

نجاة سيدة الضوء المسموع

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

  منذ الخمسينيات وهى تقف على قمة الغناء العربى، على مدى نصف قرن لا تعرف نجاة، غير القمة، مهما واجهت من عواصف وأنواء وأمزجة وتيارات غنائية متعددة، الهمس هو أسلوبها فى الغناء وفى الحياة؛ ولهذا كانت تهمس إلينا فيصل صوتها شهاب نور قادمًا من السماء، بعد أن غادر موقعه بجوار النجوم.

ليست «نجاة» مجرد موهبة منحها الله صوتًا عبقريًّّا، أحاطت نجاة هذه الموهبة الربانية بذكاء فى الاختيار، لديها القدرة على انتقاء كلمات الأغانى بالعامية والفصحى، لو أنك مثلًا أحصيت عدد الأغنيات الفصحى التى رددها جيل «نجاة» مثل «وردة» و«شادية» و«فايزة» و«صباح» لاكتشفت أنهن جميعًا لم يتجاوزن فى القصائد المغناة عدد أصابع اليدين، بينما رصيد «نجاة» يصل إلى خمس عشرة قصيدة، منذ أن رددت للشاعر زكى الطويل والد الموسيقار كمال الطويل فى الخمسينيات (قل ادع الله إن يمسسك ضر)، وتتابعت بعد ذلك قصائدها لكامل الشناوى وسعاد الصباح، كان لنزار قبانى النصيب الأكبر منها.

«نجاة» و«عبدالحليم» وجهان لنفس العملة الغنائية، لا تبحث كثيرًا عن مساحات صوتية، إذا أردت كمال الصوت فأمامك «سعاد محمد» و«محمد قنديل» لا ينافسهما أحد، أما إذا أردت الإحساس فإن «نجاة» و«عبدالحليم» يصعدان للقمة، تملك «نجاة» من جمال الصوت أكثر مما تملك من كمال الصوت، ولا يوجد فى تاريخ الغناء العربى من استطاع أن يجمع بين الجمال والكمال سوى «أم كلثوم».

وتأتى بعد «أم كلثوم» فى المركز الثانى بمسافة «فايزة أحمد».. الأصوات الغنائية دائمًا ما يتنازعها إما الجمال الذى يفتح أمامها أجهزة استقبال الناس ومشاعرهم وآهات إعجابهم، أو الكمال الذى ندركه ونحصى درجاته بالعلم، «نجاة» امتلكت بمساحة صوتية محددة ولا أقول محدودة، تلك «الكاريزما»، التى يدعمها الجمال، إنها الجاذبية الخاصة التى تمنح للجمال حياة تضفى عليه شعاعًا من نور، لا تعرف بالضبط ما هو سرها ومفتاح شفرتها!.

مشوار «نجاة» الغنائى يقترب من 60 عامًا، بدأت منتصف الأربعينيات وهى طفلة تقف على كرسى حتى تطول الميكروفون، وتغنى لأم كلثوم عددًا من أغانيها مثل «يا ظالمنى» وتستمع لها بالصدفة «أم كلثوم» وتتوقع لهذه الطفلة مكانة مرموقة، ثم فى مطلع الخمسينيات يقدم لها «محمود الشريف» و«مأمون الشناوى» أول لحن خاص بها (أوصفولى الحب)، كان «مأمون الشناوى» يكتب عن مشاعر فتاة صغيرة فى مرحلة المراهقة تسأل عن الحب، بعد أشهر قلائل يتمكن «كمال الطويل» من أن ينطلق بها إلى ذروة جماهيرية مع كلمات «مأمون الشناوى» أيضًا فى (أسهر وأنشغل أنا).

حقق اللحن نجاحًا استثنائيًّا، ويكرر النجاح مع (ليه خلّتنى أحبك؟)، ثم يستوقف صوتها «محمد عبدالوهاب» ويقدم لها (كل ده كان ليه؟) أيضًا لمأمون الشناوى وبعد أن سجلتها بصوتها يغنيها «عبدالوهاب»، والناس تذكر عادة «كل ده كان ليه؟» بصوت عبدالوهاب، رغم أن مطربته الأولى هى «نجاة»، وبعد سنوات يواصل «عبدالوهاب» الطريق بـ«لا تكذبى»، «ساكن قصادى»، «أيظن»، «ألف أهواه» وغيرها، فهى و«عبدالحليم» كانا لهما النصيب الأكبر من ألحان «عبدالوهاب» فهما صوتان ينتميان «جينيًّا» للقبيلة الوهابية!.

الفنان الذى عانق القمة لا يمكن أن يغفر له جمهوره تنازله عن القمة، فابتعدت نجاة عن الغناء واحتفظت بالقمة، غنت قبل خمس سنوات (كل الكلام)، إلا أنها لا تعتبر عودة، فهى قد آثرت الانسحاب مكتفية بإشعاع صوتها الذى لا يخبو أبدًا.

وصف يومًا الكاتب والشاعر الكبير «كامل الشناوى» صوت «نجاة» قائلًا «إنه الضوء المسموع»، فهل رأيتم يومًا ضوءًا يعلن على الملأ وفى عز النهار اختفاءه، أمس كان عيد ميلادها، رغم أن كل أيام السنة تصلح لكى تصبح عيد ميلادها، نجاة تولد يوميًّا من جديد مع كل أغنية نعيد الاستماع إليها، وكأننا نسمعها لأول مرة!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجاة سيدة الضوء المسموع نجاة سيدة الضوء المسموع



GMT 22:27 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تل أبيب ــ دمشق... سقوط الضمانات

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
المغرب اليوم - المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع

GMT 18:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال "العتاولة 2"
المغرب اليوم - أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 10:12 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أسعار الذهب تتراجع بأكثر من 30 دولاراً وسط ارتفاع الدولار

GMT 12:40 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 18:38 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وفاة معتقل داخل محكمة الاستئناف في طنجة

GMT 12:37 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

محاولات لإقناع الواعد باسي بتمثيل المغرب

GMT 13:31 2018 الأحد ,08 تموز / يوليو

محمد الشناوي يوضح أنه لم يلتفت إلى أي عروض

GMT 00:51 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

كهف مظلم في نيوزيلندا تضيئه الديدان المتوهجة

GMT 08:28 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نحو 60% من الصينيين يتعرضون لفقدان شعر مبكر وزيادة الصلع

GMT 09:39 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

روائح خلابة وبريق الذهب في "جيل" الجسم الجديد من "شانيل"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib