بقلم - طارق الشناوي
عدت من تونس الحبيبة قبل ساعات من حفل ختام مهرجان (قرطاج). عايشت حالة سينمائية متنوعة، تجاوزت قاعات المهرجان محققة شعبية فى شارع (الحبيب بورقيبة) الذى يقع فيه الفندق الرئيسى والتاريخى للمهرجان، الذى ارتبط به. أتصور أن إطلاق اسم (إفريقيا) عليه جزء من ملامح قرطاج، بتوجهه الأساسى للسينما العربية والإفريقية. تابعت فى الشارع احتفالية ممتدة غنائية وسينمائية لفلسطين، تضمنت أشهر الأغنيات والأفلام. البرد قارص، إلا أن دفء الشاشة لعب دوره فى تحقيق الإقبال الجماهيرى.
بجوار الأفلام والأغانى، كان التليفزيون الوطنى التونسى يقدم تغطية مباشرة على الهواء، وكما تعودت، وجهت لى الدعوة للحديث عن تلك الدورة التى تحمل رقم (35)، وأيضًا تناولت الناقد الكبير والصديق العزيز الراحل خميس خيّاطى، وهو أكثر النقاد العرب اهتمامًا بالسينما المصرية، قدم رسالة دكتوراه عن سينما المخرج الكبير صلاح أبو سيف.
وفى تونس دائمًا هناك معرض للصور التى تحكى تاريخ المهرجان، داخل مركز الثقافة الذى يشهد الفعاليات، تكتشف أن أهم ثلاثة مخرجين مصريين لدى السينمائى التونسى هم: صلاح أبو سيف، يوسف شاهين، وتوفيق صالح.
مصر تواجدت فى المهرجان بأفلام روائية وتسجيلية، هناك فيلمٌ رفضته الرقابة المصرية فى المهرجان.
حدث ذلك من قبل فى العديد من المهرجانات (البحر الأحمر) الفيلم الطويل (12 شرق) هالة القوصى، وفى قرطاج (أحلى من الأرض) شريف البندارى. سبق للفيلم المصرى المشاركة فى واحد من أهم مهرجانات الفيلم التسجيلى عالميًا (كليرمون فيران). عرض أفلامنا المصرية خارج مصر ولم يتم عرضها فى الداخل، أراه يشكل عمق الأزمة، ومع تكراره بات يقدم صورة سلبية. وقبل الاسترسال، يجب أن أذكر أنه بقدر ما تمكن المهرجان من عرض أفضل الأفلام الطويلة عربيًا، فإنه نجح فى اقتناص الأفضل بين الأفلام القصيرة، مثل الفلسطينى (ما بعد) لمها الحاج و(أحلى من الأرض) لشريف البندارى.
الفيلمان ينطبق عليهما عمق بناء الفيلم القصير، الذى يعنى أن تقدم للمتلقى أقل عدد من اللقطات والكلمات، لا تحكى التفاصيل، تترك للمشاهد أن يتكلم ويرسم ويتخيل ويضيف. وهكذا جاء الفيلم الفلسطينى (ما بعد)، زوجان محمد بكرى وعرين العمرى. نتعامل معهما فى البداية كحالة واقعية، يعيشان مع الأبناء الخمسة الذين هاجروا، نكتشف مع النهاية أنهم استشهدوا وهم أطفال بسبب القصف الإسرائيلى. عقل الأب والأم يرفض الاعتراف بالموت، ويكملان معهما الحياة. نعيش تلك المفاجأة وتتضاعف فى قلوبنا المأساة التى يعيشها بطلا الفيلم. بينما الفيلم المصرى (أحلى من الأرض) لشريف البندارى، لا يقدم أى إجابة قاطعة. نحن فى بيت طالبات مغتربات، تعيش فتاتان فى غرفة واحدة، إحداهما تشك فى ميول الأخرى. لا شرء يقينى وتنتحر الطالبة، وتبقى الشكوك. وتبدأ أنت كمتلق فى ملء الفراغ الذى تركه الفيلم بداخلك.
صناعة السينما عانت من تعليق بعض الأفلام، ومن المنتظر أن يتولى الرقابة الكاتب الكبير عبد الرحيم كمال. أراه اختيارًا صائبًا من وزير الثقافة د. أحمد هنو. وأتصور أن الملف الأول هو إعادة النظر فى الأفلام المعلقة منذ سنوات، وبعدها نفتح ملف السيناريوهات المرفوضة التى أدت لانتفاء أى تشابك مع الحياة. نعم، أرى وميض ضوء فى نهاية النفق.