فى حفل ختام (موسم الرياض) أطلت علينا مى فاروق من مسرح أبوبكر سالم، كل شىء فيها تغير 180 درجة، حتى الملابس التى ترتديها، جزء مهم من تصدير تلك الحالة، الزى الجديد لمى، الذى أعتبره تمهيدا بالصورة، وهى أطلقت عليه ساخرة (ملابس رواد الفضاء).
كل هذه التفاصيل وغيرها جاءت، معبرة عن وجهة نظر المستشار تركى آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، لتقديم معالجة غنائية عصرية فى التوزيع، مغايرة لما دأبنا عليه. تشعرنى مى فاروق، وكأن صفة الرصانة، اخترعت من أجلها، ولهذا وقع الاختيار عليها.
قال أرسطو (الإنسان عدو ما يجهل)، ومع سميعة الموسيقى والغناء الذين يقطعون التذكرة لحفلات مى فاروق، تصبح الحساسية مضاعفة، ورغم أن هذا هو المطلوب؛ إحداث الصدمة.
لو سألتنى قبل نحو عام أو اثنين، على أكثر تقدير، هل من الممكن أن تصبح مى فاروق نجمة فى ساحة الغناء المصرى، فقط المصرى، ولا أقول العربى؟، ستأتى إجابتى قاطعة: (جمهورها مستحيل أن يتجاوز دار الأوبرا المصرية)، الجمهور لا يقطع تذكرة الدخول من أجلها تحديدا، ولكنه أساسا عاشق للتراث، وللطرب الذى بات شبه مفقود خارج جدران هذا المبنى، الذى صار له فى الذاكرة الجمعية ارتباطا شرطيا بكل ما هو أصيل ورصين، مى أحد أهم عناوين الرصانة.
هؤلاء الحراس هم من نطلق عليهم عادة (السميعة)، يريدون الاستمتاع وليس مجرد الاستماع بالمغنى القديم.
الدار أشبه بأكاديمية فنية تستقبل المواهب منذ الطفولة وتصقلهم، وتتبنى من يستحق.
مى بدأت المشوار وهى طفلة فى الثامنة من عمرها فى كورال المايسترو سليم سحاب، القادر على التقاط المواهب، وانتقاء السمين من الغث، ليغدو السمين من خلال توجيهاته ثمينا.
أعادت مى بصوتها العديد من أغنيات التراث، ولكن وكالعادة ما رشق فى قلوب الناس هو غناؤها لأم كلثوم.
أغلب هؤلاء تمضى حياتهم غالبا فى الظل، مى فاروق بعد أن بلغت الأربعين من عمرها، كان القدر يعد لها طريقا آخر، صارت واحدا من أهم الأصوات التى تشارك فى حفلات هيئة الترفيه، ومن بعدها أصبحت مطلوبة بقوة فى العالم العربى، وصارت بمقياس الزمن نجمة، يقدم لها وعنها العديد من البرامج الفضائية.
فى حفل ختام (موسم الرياض)، أعادت تقديم بعض أغانينا الشهيرة، البداية مع (تخونوه) لبليغ حمدى، اللحن ملىء بالشجن الذى يدخل القلب ليستقر فيه، وهذا ما دفع مثلا وردة من فرط صدق اللحن أن تقرر أولا وهى فى الجزائر أن تتزوج من الملحن الذى قدم هذه التحفة، ثانيا بعد أن استقرت فى القاهرة، وتزوجت بليغ غنتها معه فى (دويتو).
الأمر بالنسبة للسميعة، وأعتبر شخصى المتواضع واحدا منهم، من الصعب أن يتقبلوا ببساطة معالجة موسيقية أخرى، والأمر يحتاج إلى التسلل للأذن بنعومة.
أدرك الجميع ذلك فى الساعة الأخيرة من الحفل، وغنت مى عددا من الأغنيات غير المتفق عليها مع المايسترو هانى فرحات، القسط الأكبر منها، لأم كلثوم ووردة، قدمتها مى كما ألفتها آذان السميعة. التغيير كهدف ممكن بل ومطلوب، وسوف يتم قطعا فى حفلات قادمة مع تقنين الجرعة. كسبنا مى فاروق وهى تؤدى الأغانى برؤية مغايرة لما تعوده الجمهور باعتبارها أحد حراس هذا التراث، وأيضا أثبتت التجربة العملية، أن مى لديها حضور طاغ، وعندما أدارت دفة الغناء إلى الأداء الكلاسيكى، وبدون فرقة موسيقية، غنى معها الجمهور، وصفقوا فى النهاية لها ولأنفسهم!!.
الهدف سوف يستمر والخطة لن تتوقف، وتلك هى الخطوة الأولى، إعادة توزيع التراث الغنائى برؤية عصرية، مع ضرورة ضبط الجرعة (واحدة واحدة)!!.