بقلم - طارق الشناوي
أيام ونحتفل بعيد ميلاده الستين، أتحدث عن علاء ولى الدين، ماذا لو كان بيننا هذا الطفل الذى ظل طفلًا حتى رحيله، 2003، وهو دون الأربعين؟ جيل علاء الذين كانوا هو نجوم المرحلة منذ نهاية التسعينيات وحتى العقد الأول من الألفية الثالثة يعيشون الآن مأساة وأعنى بهم محمد هنيدى وأحمد ادم وهانى رمزى وأشرف عبد الباقى ومحمد سعد وعلاء مرسى، ولحقهم أحمد حلمى وأحمد مكى.
تغيرت مفردات الضحك، ولم تعد (الشفرة)، القديمة قادرة على إثارة حالة البهجة، ولا يعنى ذلك، أن نغلق تمامًا صفحتهم، ولكن عليهم تغيير البوصلة.
أتصور أن علاء كان قادرًا بما يملكه من ذكاء فطرى على عبور الأزمة، وتغيير البوصلة، عندما بدأت أسهم هنيدى ترتفع بعد (إسماعيلية رايح جاى)، وقررت شركة الإنتاج تقديم (صعيدى فى الجامعة الأمريكية) عام 98، رشحوا علاء لمشاركة هنيدى فى الدور الثانى، وكما قال لى شقيقه وكاتم أسراره معتز ولى الدين، إنه تمنى لهم التوفيق إلا أنه كان يخشى أن يتم تسكينه فى دور صديق البطل، ولهذا اعتذر، وبالفعل صدق حدسه وعرف البطولة بعدها بعام (عبود ع الحدود) لشريف عرفة.
كان آخر لقاء لنا فى ندوة أقيمت فى المعرض الدولى للكتاب، قبل ساعات من رحلته الأخيرة إلى البرازيل، حيث كان يصور فيلم (عربى تعريفة)، وعاد ليلة عيد الأضحى، صلى الفجر وبعدها بساعات قليلة كنا نصلى عليه فى نفس الجامع، أتذكر أننى وجدت تليفونًا من علاء، يصر على أن أدير ندوته، كان لى رأى سلبى فى آخر أفلامه (ابن عز)، وتلك كانت طبيعة علاء فهو يدرك أن للناقد مساحة لا تجرح أبدًا الصداقة.
منذ بدايات علاء- مطلع التسعينيات- كانوا يطلقون عليه السمين، إلا أننى رأيته رشيقًا، السمنة وصف مباشر لحالة الجسد، بينما الرشاقة تعنى أسلوب إدارة الجسد، وهو بهذا المقياس أستاذ فى الانسياب والمرونة، تلمح ذلك فى الحركة واللفتة والإيماءة، وقبل ذلك فى التعبير والإحساس!.
النظرة التقليدية لوزنه الزائد يتم ترجمتها إلى ضحكة مضمونة، وافق ظاهريًا على شروط اللعبة، بعد قليل قرر أن يتمرد ليلعب بقانونه، حتى لا يتحول إلى مجرد (نمرة) فى سيرك الضحك.
والده هو الفنان سمير ولى الدين، وأول من أمسك به بعد صرخته الأولى هم أصدقاء والده عادل إمام وسعيد صالح وصلاح السعدنى.
المخرج المسرحى شاكر خضير عندما وقع اختياره على علاء ليقول كلمة واحدة، وعلى وجه الدقة جملة «تمام يا فندم» فى مسرحية «مطلوب للتجنيد» لم يكن يدرى أنه يكتب شهادة ميلاد علاء، تحولت الجملة إلى دور، وتتوالى من بعدها الفرص التى أجاد اقتناصها!.
استوقفنى فى البدايات فيلم (أيام الغضب) للمخرج منير راضى، الذى رحل قبل ساعة واحدة من كتابة هذا العمود، قدم علاء دورًا يقطر إنسانية، وتلتقطه عين الخبير شريف عرفة ويتحرك فى مساحات ضئيلة لكنها مؤثرة من «يا مهلبية يا» إلى «الإرهاب والكباب»، وبعدها «المنسى» ثم «النوم فى العسل»، ويأتى «بخيت وعديلة» الجزء الثانى إخراج نادر جلال ليقترب من الناس أكثر.
أتذكر أننى كتبت عام 96 على صفحات (روز اليوسف)، وبعد عرض فيلم (حلق حوش) مطالبًا علاء وهنيدى بألا يستسلما للقانون السائد الذى يضعهما بمثابة مقبلات على مائدة الأفلام الكوميدية، أدركت أن التغيير قادم لا محالة، اندلعت بعدها ثورة (المضحكون الجدد).
الله عندما يختار الأطفال ليصعدوا إلى ملكوته، يريدنا أن نظل حتى نهاية العمر نتذكر وجوههم البريئة التى لم تهزمها التجاعيد، ولم تعرف الأحقاد، وهكذا علاء ولى الدين طفلًا لم يعرف وجهه ولا قلبه إلا النقاء والبراءة، عاش طفلًا حتى وصل إلى الأربعين.. ولا يزال الطفل يسكن السماء وينطفئ له بعد أيام ستون شمعة!.