«صبى من الجنة» مراهقة فكرية وسذاجة سياسية

«صبى من الجنة».. مراهقة فكرية وسذاجة سياسية!

المغرب اليوم -

«صبى من الجنة» مراهقة فكرية وسذاجة سياسية

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

في (لوميير)، القاعة الرئيسية للمهرجان، استمعت إلى رائعة (أنا بعشق البحر)، وهى واحدة من الأغانى الاستثنائية في تاريخنا الموسيقى بصوت مطربتها الأصلية نجاة، شعر عبدالرحيم منصور وتلحين هانى شنودة، تعودنا في السنوات الأخيرة أن موسيقى شنودة تخترق حواجز الزمان والمكان، وسبق في (الجولدن جلوب) بأمريكا، قبل نحو عامين، أن صاحبت إحدى القطع الموسيقية التي أبدعها شنودة، الممثل المصرى رامى يوسف، وهو يتسلم جائزته، تخلل الفيلم الذي شارك بالمسابقة الرسمية، مقاطع بصوت عبدالوهاب وموسيقاه مثل (يا مسافر وحدك)، كما قدم المخرج نشيد (صوت الجماهير)، كلمات حسين السيد وتلحين عبدالوهاب، وأيضا اشتركت نجاة في أداء أحد مقاطعه، وتناثر في الفيلم، الذي تجرى أحداثه الواقعية بمصر، عدد من الأغانى الأخرى لفريد الأطرش، وبينها أيضا أغانى (مهرجانات).

تفاءلنا، كصحافة وإعلام، لتواجد مخرج مصرى الجذور طارق صالح رسميا بـ(كان) في عيده (الماسى)، برغم أن الفيلم سويدى الجنسية تبعا لشركة الإنتاج، والمخرج يحمل أيضا جنسية السويد، لكن قطعا شعرت بالفرحة.

(صبى من الجنة) الفيلم الوحيد الناطق باللهجة المصرية، أقصد المفروض أنها مصرية، ويوجد أيضا مصحح لهجة، إلا أن اللهجات المستخدمة شبه (شامية) وشبه مصرية، مما وضعنا في مأزق، وكنت أستعين أحيانا لفهمها بقراءة التعليق بالإنجليزية.

ليست هذه هي مشكلة الفيلم الرئيسية، من الممكن التغاضى عن قصور اللهجة، قبل العرض وجدت أن القاعة تقف تحية للمخرج الذي سبق أن قدم، قبل بضع سنوات، فيلم (حادثة النيل هيلتون) عن واقعة اغتيال المطربة سوزان تميم وورطة رجل الأعمال المصرى طلعت مصطفى، واستبدل المخرج في بعض الوقائع التاريخية، ورغم ذلك لم يعرض الفيلم في مصر.

أنا، مثل الملايين، أسعد بأى نجاح يحققه إنسان مصرى خارج الحدود، الجمهور استقبل المخرج قبل العرض بالتصفيق الحاد والوقوف، رغم أنه قطعا ليس من بين نجوم الإخراج في العالم، حتى يلقى كل هذه الحفاوة، وطوال زمن كتابة (التترات) كلما ذكر اسم شركة إنتاج يعلو التصفيق، وهو ما يتكرر في العديد من الأفلام الأخرى، حيث تحظى عادة شركة الإنتاج بتصفيق المدعوين الذين ينتمون إليها، وهم يملأون صالة العرض، كل هذا أراه يشكل لمحات إيجابية لصالح الفيلم.

يبدأ الفيلم بنقطة انطلاق ساخنة: موت شيخ الأزهر، وهو افتراض درامى قدمه المخرج، ولا يعبر قطعا عن الحقيقة ويطيل الله في عمر شيخنا الجليل سنوات وسنوات، من حق المبدع في العالم أن يفترض دراميا ما يشاء، ثم يقدم بعدها الحالة الفنية التي تتسق مع رؤيته، لأننا لا نحاسبه تاريخيا، لكن عما يرمى إليه هذا الفرض الدرامى، وهو قالب فنى وأيضا حيلة درامية كثيرا ما لجأت إليها الأفلام وأيضا الرواية.

يُدخل المخرج أمن الدولة الوطنى طرفا مباشرا في الحكاية، عندما يريدون فرض اسم محدد لتولى المشيخة في المنصب الدينى الرفيع (الإمام الأكبر)، خاصة أن الشيخ يظل في مقعده بنص الدستور مدى الحياة، والفيلم كان قد بدأ بتوجيه تحية مكتوبة باللغة العربية للأزهر الشريف طوال تاريخه لأنه لم يكن أبدا صدى للحاكم.

الهدف الظاهرى الدفاع عن حق الأزهر من خلال هيئة كبار العلماء في اختيار الشيخ الجليل، إلا أن الأحداث تذهب إلى شىء آخر تماما، وهو فتح النيران على الأمن الوطنى المصرى الذي يريد فرض اسم محدد في المشيخة لينفذ التعليمات.

الفكرة قيدت المخرج، ولم ينجح في خلق معادل درامى موضوعى لها، قدم هذا الخط الأساسى على نحو كبير، مفرطا في المباشرة، التي تخاصم التصديق، بطل الفيلم تأتى له منحة دراسية للأزهر الشريف، ويغادر قريته التي تطل على البحر، حيث يعمل بالصيد مع أبيه إلى مقر جامعة الأزهر ملتحقا بالمدينة الجامعية، وفى نهاية الفيلم يعود إلى قريته ويساعد أباه في الصيد.

ويستعين به أمن الدولة كعين لهم على ما يجرى داخل الأزهر ويلتقى كثيرا في المقهى مع الضابط المنوط به هذا الملف، أغلب اللقاءات تدل على السذاجة المفرطة في التعبير، تذكرك بسينما الخمسينيات ورجل المباحث (إياه) الذي يراقب الجميع واضعا جريدة أمام وجهه كأنه يتخفى عن الأنظار ولا يدرى أن الجميع يتابعه، وهكذا يلتقى الضابط مع بطل الفيلم في المقهى على مائدتين متباعدتين، حتى لا يلاحظ أحد، بينما الطريقة المباشرة التي تم بها تنفيذ تلك المشاهد تشعرك كأننا بصدد فيلم مصرى كوميدى، يعود لزمن الأربعينيات.

يتخلل الأحداث دفاع من الشيوخ عن كل ما هو ملتصق بالتراث الدينى، وأصبحت بمثابة قواعد لا يجوز مجرد التفكير فيها، بينما أمن الدولة يريد تغييرها، الدفاع عن التراث الدينى مطلق في كل جوانبه، وكأنه يرفض تماما إعمال العقل.

مفتاح أداء الممثلين كان هو أيضا السذاجة ينطبق عليهم تعبير (حافظ مش فاهم)، يحفظون فقط الحوار، موقفى فنى بحت من الفيلم، من حقه قطعا المعارضة لكن ليس أبدا من أسلحة التعبير كل تلك المباشرة، بل والفجاجة، التي لم يجد المخرج غيرها في توصيل أفكاره، بدون لمحات فنية توحى بالمعنى.

في العام الماضى تصديت من (كان) لكل حملات التشكيك مدافعا عن فيلم (ريش) للمخرج المصرى عمر الزهيرى، لأنه كان يحمل إبداعا فنيا يستحق الإشادة والتحليل، ووقفت أيضا لمن حاول النيل من المخرج الشاب لمجرد أنه يقدم عائلة فقيرة، وتنبهت (حياة كريمة) بالفعل إلى خطأ الهجوم على الفيلم وأصدرت بيانا أعاد الاعتبار لصناع الفيلم.

ويومها كتبت في تلك المساحة أن العمل الفنى يستحق الحفاوة بينما كانت أقلام العديد من الزملاء، حتى من بين عدد من المبدعين، تسارع بالانتقاد، وبعضهم لم يشاهد الفيلم، وكان يقينى، ولايزال، أن أي عمل فنى أو برامجى لا يمكن أن ينال من سمعة الموطن، وأن ذكر السلبيات واحد من واجبات الفن، تصديت وقتها لحملة التشويه، لأننا كنا بصدد عمل فنى يستحق، هذه المرة مع (صبى من الجنة) لم أعثر سوى على السذاجة السياسية والمراهقة الفكرية!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«صبى من الجنة» مراهقة فكرية وسذاجة سياسية «صبى من الجنة» مراهقة فكرية وسذاجة سياسية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib