«مندوب الليل» يتناول الإنسان قافزًا فوق حاجز الممنوع

«مندوب الليل» يتناول الإنسان قافزًا فوق حاجز الممنوع!

المغرب اليوم -

«مندوب الليل» يتناول الإنسان قافزًا فوق حاجز الممنوع

بقلم - طارق الشناوي

السينما السعودية، فى غضون سنوات قليلة، حققت مجموعة من القفزات والتحديات نجحت فيها وأثبتت أنها لا تبدأ من الصفر، لكن من حيث انتهى الآخرون. الخطة السينمائية لا تنعزل عن رغبة المواطن البسيط، فهو المحرك الأول لها، وهكذا صار الفيلم السعودى فى السوقين السعودية والخليجية يحقق أعلى الأرقام، وهذا إنجاز أن يرى المتفرج لهجته وتفاصيله على الشاشة، فيلم (مندوب الليل) يشارك داخل المسابقة الرسمية فى (وهران) وبرغم شراسة المنافسة فهو يتمتع بحظ وافر من التوقعات فى الحصول على الجوائز التى تعلن مساء اليوم.

كالعادة فى البداية نتأمل واحدة من حكايات الماضى، بين مصر والجزائر، مع صوت فريد الأطرش (بساط الريح يا أبوالجناحين/ مراكش فين وتونس فين)، مقطع من أوبريت (بساط الريح) الذى غناه فريد فى فيلم (آخر كدبة) 1949، وباقى الحكاية أن الجزائريين قرروا مقاطعة أفلامه، اعتبروها مقصودة وهى قطعا ليست كذلك، لأنه من المستحيل أن يغنى لكل دول العالم العربى، فهو مثلا فى نفس الأوبريت ينتقل من سوريا ولبنان إلى العراق (على بغداد على بغداد/ بلاد خيرات بلاد أمجاد)، ولم يذهب مثلا للأردن، صالح فريد الجزائريين أيضا بأغنية (المارد العربى)، نعم كان هناك غضب، لكن لم يصل إلى حد المقاطعة.

ونعود إلى (مندوب الليل)، المأزق الذى يعيشه عدد من المخرجين المخضرمين فى عالمنا العربى، وأيضا خارجه، أنهم لم يدركوا تغيير (شفرة) السينما خلال الألفية الثالثة، اللغة السينمائية لأنها جماع كيميائية وتفاعل بين العديد من الفنون، التى سبقتها، ولهذا أطلقوا عليها (الفن السابع)، لهذا تتغير قواعدها من خلال أسلوب السرد، وهو ما يمكن أن نلحظه فيما حققه المخرج على كلثمى فى فيلمه الأكثر مشاغبة اجتماعية على مستوى السينما السعودية (مندوب الليل)، الذى يقدم لغة عصرية بكل تفاصيلها المرئى والمسموع والمحسوس، المعلومة الدرامية لا تقدم لك كل شىء (على بلاطة)، لكنها تترك دائما للمتلقى مساحة من الإضافة.

أكبر تحدٍ يواجه البعض أثناء كتابة السيناريو، ومن ثم تجسيده على الشاشة، أسلوب تقديم المعلومة، المشاهد يفقد موجة التواصل معك، لو أنك اعتقدت أن دورك فقط ينحصر فى الحكى، الدرس الحداثى فى اللغة الآن هو أنك تشعر المتلقى بأنه جزء أساسى فى وضع (رتوش) ليضفى قدرا من الحميمية والمصداقية، التى تنضح بها الشخصيات الدرامية، أنت تمنحه بداية الخيط وهو يكمل الباقى.

هناك دائما أكثر من دائرة تساهم فى حالة الثراء الفنى والثقافى والترفيهى الذى نراه فى المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة، أشبه بنظرية الأوانى المستطرقة، يرتفع المنسوب فى واحدة وتكتشف أنه يتحرك بنفس الدرجة فى الباقى، وهكذا مثلا مهرجان (البحر الأحمر) الوليد الذى يعقد فى (جدة) يحقق فى ثلاث سنوات نجاحا ملفتا يضعه على خريطة المهرجانات الكبرى، كما أن الأفلام السعودية تشارك رسميا فى المهرجانات الكبرى، ولا تكتفى بشرف الحضور أو الحضور المشرف، لكنها تقتنص جائزة، مثلما حدث مؤخرا فى مهرجان (كان) الأخير، جائزة تنويه لفيلم (نورا) فى قسم (نظرة ما)، سبق أن تناولت الفيلم نقديا فى تلك المساحة.

حتى تتواجد صناعة السينما، لا يكفى إقامة بنية تحتية من استوديوهات تصنع الشريط ودور عرض تسمح بتداوله، ومعاهد لتدريس السينما، يجب أن يواكب ذلك إرادة تمنح السينمائى الضوء الأخضر فى القدرة على الاشتباك مع الواقع والدخول فى الممنوع، بقدر ما تنجح السينما فى الاقتراب من (المسكوت عنه)، بقدر ما تتمكن من الحياة والتنفس والتواجد، وقبل ذلك الوصول للقاعدة الجماهيرية، وهو ما استطاع فيلم (مندوب الليل) تحقيقه.

أول فيلم روائى طويل للمخرج على الكلثمى، الذى شارك أيضا فى كتابة السيناريو مع محمد القرعاوى.

المخرج يحاول من البداية كسر المسافة بينه وبين الجمهور، شارحا تداعيات كلمة مندوب بالمعنى المباشر وأيضا ظلال الكلمة، المندوب هو المكلف بالمهمة، وهو أيضا صفة تطلق على المتوفى، كما أنها تحمل معنى المصاب بالندوب، وتلك الإشارة المكتوبة على الشاشة، ليست مجانية، فهو فى البداية يقدم المعنى المباشر، بينما فى النهاية تضيف أنت أيضا المعنيين المستبعدين، هل البطل مجرد مندوب مكلف بأداء مهمة، أم أنه متوفى أم لعله مصاب بمرض جلدى؟.

الفيلم يقدم معاناة الإنسان البسيط، الطبقة المهمشة، الليل ترى فيه الطبقة الثرية والمتوسطة، الليل وظلامه على عكس ما يبدو ظاهريا أنه ساتر للعيوب، بينما الحقيقة أنه كاشف لها، لأنه يفضح دواخلنا، عندما يتيح لنا التعبير عنها، محطمين كل (التابوهات).

ستلمح هامشا لكسر النمط الذى كثيرا ما يقدم شخصية السعودى، أو الخليجى (الفلكلورية)، بها فقط ملامح الثراء، وهى صورة رسختها بعض الأقلام المصرية، وانتقلت للسينما العربية، بينما من يعايش الحياة واقعيا، سيتأكد أنه بعيد تماما عن هذا التنميط.

هناك ملمح آخر يجب أن نتوقف عنده، الدولة، ممثلة فى الأجهزة الإنتاجية وأيضا الرقابية، فتحت الباب للمبدعين لتقديم أحلامهم بدعم مادى كبير، إلا أنها، قبل وأهم من ذلك، منحت السينمائى الحرية لاقتحام ما دأبنا على أن نغلِّفه بأوراق (السوليفان).

الشاب بطل الفيلم مثقل بالعديد من المشاكل الوجودية، كما أنه صار مسؤولا عن عائلته، الأب العجوز المريض وأخته المطلقة، بينما بسبب سوء سلوكه واندفاعه، طرد من إحدى شركات المحمول ليصبح مندوب مبيعات يعمل فى وردية الليل.

المخرج يمتلك قدرة على توظيف الحالة الدرامية والنفسية، الليل يحمل بسواده غموضا، وأسئلة يبدو جزء منها بلا إجابات قاطعة، وفى نفس الوقت مع مرور الزمن وبداية ولادة الفجر ينبئ عن بصيص من نور، وهو ما يمنح إحساسا كاذبا للبطل بأنه يمتلك كل شىء، خاصة عندما تتضاءل الحركة، ويغيب البشر، يشعر البطل أنه يمسك بيديه كل شىء، وهكذا يقرر أن يسرق من سارق، هناك من يصنع خمورا، فيقرر أن يسرقه، السرقة تظل سرقة، لكن بطل الفيلم مثل كل البشر يحاول أن يخترع لنفسه قانون العدالة الذى يبرئ ساحته حتى ينام قرير العين.

الذروة، مشهد الحافلة وهى تنقل البطل، بينما الكاميرا تستعرض كل تلك الوجوه ومن مختلف الجنسيات، التى تفيض ملامحها بالكثير من الحكايات.

بطل الفيلم محمد الدوخى نجح فى تقديم الشخصية بتكثيف مبهر، وشاركه المخضرم محمد الطويان وسارة طيبة، أن تمتلك القدرة على القراءة الصحيحة للحياة وتحيل كل ذلك إلى شريط سينمائى ينبض بالصدق، تلك هى المعضلة، هذا هو بالضبط سر وسحر (مندوب الليل)!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مندوب الليل» يتناول الإنسان قافزًا فوق حاجز الممنوع «مندوب الليل» يتناول الإنسان قافزًا فوق حاجز الممنوع



GMT 09:45 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 09:44 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الحروب السينمائية

GMT 09:42 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

حان وقت إعادة لبنان إلى مواطنيه

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

إيران بين الحرب والأزمات المتراكمة

GMT 09:34 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

حدود البطش

درة تكشف عن إطلاق علامتها التجارية وأسرارها في عالم الموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 15:54 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تنسيق التنانير الطويلة للمحجبات لإطلالة عصرية في شتاء 2025
المغرب اليوم - تنسيق التنانير الطويلة للمحجبات لإطلالة عصرية في شتاء 2025

GMT 08:25 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

10 وجهات سفر بأسعار معقولة يمكنك زيارتها
المغرب اليوم - 10 وجهات سفر بأسعار معقولة يمكنك زيارتها

GMT 08:10 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتنظيف الأسطح الرخامية والحفاظ على لمعانها
المغرب اليوم - نصائح لتنظيف الأسطح الرخامية والحفاظ على لمعانها

GMT 09:08 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرفض إجراء مناظرة ثانية مع هاريس بشكل نهائي
المغرب اليوم - ترامب يرفض إجراء مناظرة ثانية مع هاريس بشكل نهائي
المغرب اليوم - نجاة قيادي في حزب الله من محاولة اغتيال إسرائيلية في بيروت
المغرب اليوم - فصيلة دمك قد ترفع خطر التعرض للسكتة الدماغية في عمر الشباب
المغرب اليوم - عمرو يوسف ومي عز الدين يقدمان

GMT 07:38 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير
المغرب اليوم - أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 13:35 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 10:30 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

نزيف الأنف لدى الأطفال قد يكون من أعراض سرطان الدم

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib