طارق الشناوي
اعتمد (الاختيار) على الوثيقة أولاً التي يدعمها بخط درامي، وهذا هو سر السحر الخاص للمسلسل الذي انتزع عقل وقلب الجمهور العربي في رمضان وعلى مدى عامين متتاليين، ويستعد حالياً للقفزة الدرامية الثالثة.
سيتابع الناس كل شيء بدقة، فهم شهود عيان على كل التفاصيل، التي لا تزال تسكن أعينهم، لا مجال لأي إضافة خارج النص أو خارج الحقيقة، فلن يكذب أو حتى يتجمل، تلك هي بالضبط الوصفة السحرية وشفرة التواصل، وبنود العقد المبرم بين صُناع العمل الفني والجمهور، الجديد هذه المرة في الجزء القادم، أننا سوف نرى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، يؤدي دوره الممثل أحمد شاكر. نشر شاكر العديد من الصور بعد (المكياج) الذي يقربه كثيراً من ملامح مبارك، الغريب أن شاكر كان مرشحاً بقوة ومبارك يعتلي كرسي السلطة لأن يؤدي أيضاً دوره في فيلم من إنتاج وزارة الإعلام أطلقوا عليه (الضربة الجوية)، كانت الدولة ومع كل ذكرى لانتصار أكتوبر (تشرين الأول) لا تتحدث إلا عن سلاح الطيران، حتى يصل للناس أن أكتوبر يساوي فقط بطولة اللواء حسني مبارك قائد السلاح الجوي في 73.
روى الكاتب محفوظ عبد الرحمن أن الرئاسة قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، تواصلوا معه، لكي يلتقي مبارك ويستمع إلى ما يرويه عن حياته، وحدث اللقاء مرة واحدة واتفقا على لقاء قادم، لم يتحقق حتى رحيل محفوظ. اللقاء الثاني، الذي قال لي رداً على سؤالي إنه لم يكن يدري بالضبط ما هو المسموح والممنوع، في تناول حياة مبارك.
كثيراً ما كان النجم أحمد زكي يعلن في كل البرامج التي يحل عليها ضيفاً، أنه يتمنى أن يُسمح له بأداء شخصية مبارك، ولا أدري حقيقة، هل كانت رغبة صادقة تعتمل في صدر أحمد، أم أنه كان يخشى سوء تفسير البعض، خاصة أنه قدم حياة الرئيسين جمال عبد الناصر (ناصر 56) والسادات (أيام السادات)، فكان يحرص على تأكيد شغفه أيضاً بتقديم حياة مبارك.
بعد رحيل أحمد زكي 2005، كان أحمد شاكر هو أكثر النجوم الذين رُشحوا لأداء دور مبارك، نظراً لبعض الشبه في الملامح. شاكر سبق أن قدم بنجاح دور فريد الأطرش في المسلسل الذي تناول حياة (أسمهان)، وحقق بالفعل نجاحاً طاغياً، إلا أن قطار النجاح قد توقف عند تلك المحطة، رغم أنه بعدها أدى دور عالم الذرة د. مصطفى مشرفة في مسلسل من بطولته، تبخر بسرعة من الذاكرة، وفي رمضان الماضي لعب شاكر دور ضابط الشرطة الخائن في (الاختيار 2)، وأعاد له الدور، رغم ضيق المساحة الدرامية، بعضاً من البريق المفقود، ولهذا رُشح للجزء الثالث، وبالطبع الأحداث تجري أثناء وبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو (حزيران)، أي ستتعامل حتماً مع محاكمة مبارك واتهامه بالفساد.
المفارقة أن الممثل الذي كان منوطاً به أن يقدم للجمهور بكل اعتزاز حياة مبارك قائد الضربة الجوية، هو نفسه الذي سيقدمه في السجن أثناء محاكمته. ارتبط الحديث عن مبارك بتلك العبارة المطاطة التي تحتمل كل شيء، ومن الممكن أن تنفي أيضاً أي شيء (له ما له وعليه ما عليه)، وتبقى الزاوية التي نُطل منها على ما له وما عليه.
المسلسل في الجزء الثالث يتحرك على الأشواك، فلا مجال للتزييف أو حتى للتخفيف، دعونا ننتظر ما تُسفر عنه رحلة الأشواك!!