حديث استقرار على ضفاف النيل

حديث استقرار على ضفاف النيل

المغرب اليوم -

حديث استقرار على ضفاف النيل

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

أتحاشَى زيارةَ مقرِ جامعةِ الدول العربية على رغم خيطِ الودِّ الذي ربطنِي بمن تناوبُوا على قيادتِها في القرن الحالي. الصّحافي زائرٌ ثقيلٌ بطبيعة مهنته. وارتبطتِ الجامعةُ في ذهنِي بصورةِ قاربٍ يبحرُ في بحرٍ عاصفٍ من الأزمات والتحديات والحساسيَّاتِ ومن دون تسليحِه بما يكفي لجبهِها. فالجامعةُ العربية، كمَا مجلس الأمن الدولي، تستعير قوتَها مما تضخُّه الدولُ العربيةُ البارزةُ في عروقها. وفاقُ كبار اللاعبين يرفدُها بالقوَّة والدور، وغيابُه يقصر دورَها على توزيعِ التَّمنياتِ والضماداتِ والتذكير بالمبادئ.

هذه هي الأفكارُ التي راودتني في الطريق إلى مكتبِ الأمين العام أحمد أبو الغيط. كانتِ الزيارةُ للمجاملةِ، فأنا أشعرُ بأنَّ شاغلَ هذا المنصبِ يتعذَّبُ كثيراً كلَّما حدَّقَ في مكتبِه بخريطة العالمِ العربي. وكانَ أبو الغيط كعادتِه لطيفاً ورحباً وراقياً علاوة على كونِه قارئاً نهماً.

لن أنقلَ عن الأمينِ العام كلاماً محدداً لأنَّ اللقاءَ لم يكن مخصصاً للنشر. استوقفني في كلامِه قلقُه من الوضعِ الدوليِّ الحالي الذي يحسنُ بالعربِ الالتفاتُ إليه. إنَّه وضعٌ دوليٌّ شديدُ الخطورة، لأنَّ الخطأ المكلفَ يبقى وارداً سواء على الساحة الأوكرانيةِ أو في محيط تايوان. وكلُّ هذا ينعكس في الشرقِ الأوسط حيث تواصلُ الحرائقُ اشتعالَها، وينذر بعضُها بمزيدٍ من الالتهاب.

بدا الأمينُ العام قلقاً من خطرِ استمرار العدوانِ الإسرائيلي الوحشي في غزةَ والسياسةِ الانتحارية التي تتمسَّك بها حكومةُ بنيامين نتنياهو. ولم يخفِ قلقَه من احتمالاتِ التَّفكُّكِ السوداني وترسخِ الانقسامِ الليبي، واستمرارِ لبنانَ أسيراً في الفخ الذي وقعَ فيه، وبطءِ استعادةِ سوريا لمواصفاتِ الدولةِ المكتملة الأركان. وجدتُّه قلقاً أيضاً من ازدياد الفقر وعددِ العرب المقيمين في خيام اللجوءِ أو النزوح وانعكاسات ذلك على التنميةِ وضرورة اللحاقِ بالعصر وثوراتِه التكنولوجية المتلاحقة.

ولا غرابةَ أن يسودَ القلقُ في مقرّ الجامعة. كانَ على الأمناء العامّينَ في القرن الحالي أن يتعايشوا مع تراجعِ دور العربِ في الإقليم. التدخلاتُ الدوليةُ الفظة تمَّت على أرضهم. والمبارزاتُ الإقليميةُ لا تدور إلا على ملاعبِهم وبدمِ أبنائهم. والدولُ التي صدعها «الربيع العربي» تجدُ صعوبةً بالغةً في استعادةِ ما كان، وبعضُها دخلت تغييراتٌ على هويتِه وقاموسه.

في الفندقِ المقيم على شفير النيل قالَ صديقٌ يمنيٌّ إنَّ الانهيار في بلاده لم يكن قدراً محتوماً. وقال إنَّه بحكمِ ملازمته للرئيس الراحل علي عبد الله صالح يعتقد أنَّه كانَ باستطاعةِ الأخير الإفادة من أوراق عدة لولا «نصائح» زائرةٍ صعبةٍ اسمُها هيلاري كلينتون. أضاف أنَّ إدارةَ أوباما كانت اتخذت قراراً بإزاحة حسني مبارك وعلي عبد الله صالح لمصلحة ما توهَّمت أنَّه «إسلام معتدل يمكن تسويقُه». اعترف بأنَّه لا يرى ضوءاً في آخر «النَّفق اليمني الرهيب»، مشيراً إلى أنَّ مصرَ قدَّمت خدمةً هائلة لنفسها وللمنطقة حين «أنقذت نفسَها من النَّفق الإخواني». وقال: «هل لك أن تتخيَّل وضعَ مصرَ والمنطقة لو استمرَّ حكمُ محمد مرسي وتمزَّقت مصرُ وتطاير الشَّررُ في كلّ اتجاه؟».

ذكرني حديثُ الصديقِ اليمني بأنَّني كنتُ في القاهرة في مهمةٍ صحافية بمنتصف يونيو (حزيران) 2013، وقبل أيامٍ من المظاهرات الضخمة التي غيَّرت مصيرَ مصرَ وشيَّدت جداراً أمام «الموجة الإخوانية».

تذكَّرت عباراتٍ سمعتُها في تلك الأيام التي سبقت إزاحةَ مرسي. قال عمرو موسى إنَّ مصرَ على وشكِ الانفجار وإنَّ «الإخوان لم يصنعوا الثورة لكنَّهم انضمُّوا إليها وقطفوا ثمارها»، مشدداً على أنَّ «الدولة الدينية ليست في مصلحة مصر». وسمعت من محمد البرادعي أنَّ «الإخوان سرقوا الثورة وفشلوا بامتياز». وأضاف: «التقيت مرسي في القصر وصارحته وشعرت بغياب الصدقية ويئست منه». وسمعت من حمدين صباحي أنَّه التقى المرشحَ محمد مرسي وسأله: هل ستكون رئيساً مستقلاً في حال فوزك؟ «فعجز عن الإجابة ورد: أريدك معي نائباً للرئيس». أمَّا أحمد شفيق الذي التقيته خارج مصر فقد اتَّهم «الإخوان» بأنَّهم «سرقوا الثورة والرئاسة معاً».

ولأنَّ المهنةَ تقضي بسماع الرأي الآخر قصدت مقر حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لـ«الإخوان». لم ألمس أثراً للقلق لدى سعد الكتاتني الذي دعاني مبتسماً إلى صورة تذكارية معه ومع بعض أركان حزبه وزائريه.

ذهب عصام العريان أبعدَ من الكتاتني في الطمأنينة. لم يتوقَّع فقط أن يكملَ مرسي ولايته؛ بل أن يفوز أيضاً بولاية ثانية. قال لي واثقاً إنَّ 30 يونيو سيشهد مظاهرات سلمية ولكنَّه سيكون «يوماً عادياً». لم يشعر بالغليان الذي كان يمسك بمشاعر الخائفين على الاستقرار ومن محاولة «إدخال عناصر جديدة على هوية مصر».

تذكَّرت أيضاً ما سمعته من محمد حسنين هيكل. قال إنَّه التقى مرسي وخرج بانطباع أنَّ «الإخوان» لا يملكون «رؤيةً واقعية ولا برنامجاً واضحاً ولا يمتلكون أيضاً كوادرَ مؤهلة لإدارة بلد بحجم مصر»، معرباً عن اعتقاده أنَّ المعركة السياسية ستكون صعبة والمهم ألا تؤدي إلى زعزعة ركائز الاستقرار.

يلتقي في القاهرة وافدون من بلدان قامرت بثروة الاستقرار وخسرتها. من حسنِ حظِّ مصرَ أنَّها مستقرة بفضل يونيو 2013 وأنَّها تحاول إطفاءَ الحرائق المشتعلة في محيطها وهي مهمةٌ حيويةٌ وشاقة. فالأمنُ الحقيقي مشروطٌ بالاستقرار والأمر نفسُه بالنسبة إلى الازدهار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث استقرار على ضفاف النيل حديث استقرار على ضفاف النيل



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib