بقلم -هدى الحسيني
فجأة وفي ظل انتشار فيروس «كورونا»، جاء خبر يخشاه كثيرون في شرق آسيا. الاستخبارات الأميركية أشارت إلى أن كيم جونغ أون رئيس كوريا الشمالية يصارع من أجل حياته. إذا كان هذا صحيحاً فإن التوازن الدقيق، وإن كان غير متكامل، الذي خيم على شبه الجزيرة الكورية يكون هو الآخر في حالة احتضار. سرية النظام تجعل من الصعب معرفة ما يجري، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالحالة الصحية للزعيم.
كوريا الجنوبية تناقضت تصريحاتها، بين عدم ملاحظة أي علامات غير عادية، وبين «إننا لا نعرف شيئاً». لكن مع افتراض أن الزعيم أصابه «مكروه»؛ كيف ستبدو كوريا الشمالية من دونه؟
عدة مرات في الماضي، ثبت أن شائعات مرض كيم جونغ أون لا أساس لها من الصحة، لكن هذه المرة قد تؤخذ الحالة على محمل من الجد، فالخبر انتشر بعدما تغيب قبل أسبوعين عن احتفالات ذكرى عيد ميلاد جده، كيم إيل سونغ، الذي حكم 50 عاماً. ومن الصعب التكهن بما سيحدث إذا ما مات كيم، لأنه يتحكم بالسلطة الكاملة في البلاد، لذلك قد يؤدي رحيله إلى عدم الاستقرار ونتائج خطيرة أخرى، وربما يكون مفيداً في نهاية المطاف للولايات المتحدة.
يقول متابعون لأحداث كوريا الشمالية إنه ليس مفاجئاً إذا خضع كيم لجراحة في القلب والأوعية الدموية، فقد عانت أسرته من مشكلات في القلب ومرض السكري، وإذا كان كيم ليس في خطر الآن، فإن الخطر سيبقى إذا لم يغير أسلوب حياته، فإذا أصبح عاجزاً فستكون هناك فترة يحكم فيها باسمه أشخاص مقربون منه، وتكون شقيقته كيم يو جونغ المرشحة المحتملة، بسبب قربها الأخير من «الزعيم» ومؤهلاتها الأسرية. ويضيف المتابعون أنه كلما طالت مدة هذا الوضع قل احتمال خضوع القيادة العسكرية والحزبية لإمكانية عودة كيم وتضاءل خوفهم من عقاب محتمل، أيضاً عجز مطول قد يوفر الفرصة ليو جونغ ودائرتها لتثبيت نفسها على أعلى المستويات في المؤسسات الحاكمة للحزب.
هناك احتمال بديل، فقد يحاول شخص رفيع المرتبة في النظام، إنما من خارج الأسرة، الحفاظ على النظام الحالي كما هو، لكن الآن من غير الواضح ما إذا كان أي حاكم من خارج عائلة كيم يمكنه القيام بذلك.
الأخطر من ذلك كله، أن ينهار النظام بأكمله مع انقسام كوريا الشمالية إلى خليط من الوزراء الذين يحكمهم أمراء الحرب، مثل هذا السيناريو يدفع إلى حرب أهلية وكارثة إنسانية، إذ قد يتطلع أمراء الحرب الذين يعانون من ضائقة مالية إلى بيع الأسلحة أو التكنولوجيا النووية أو البيولوجية أو الكيماوية، أو استخدام تلك الأسلحة الفتاكة بعضهم ضد بعض.
وسط هذه السيناريوهات، برأي المتابعين، من المؤكد أن تتصرف الصين بسرعة، فآخر شيء تريده هو الصراع على حدودها أو الفوضى التي قد تغري الولايات المتحدة بالتدخل. يضيفون؛ إذا نجا النظام الحالي، سواء تحت قيادة الشقيقة كيم يو جونغ أو مسؤول رفيع آخر في النظام، فمن المحتمل جداً أن تدعم الصين الزعيم الجديد وتساعده، لكن إذا انهارت كوريا الشمالية في حرب أهلية فقد تشعر الصين بأنها مضطرة للتدخل مباشرة.
قال لي خبير استراتيجي بريطاني: عند هذه النقطة سيكون أمام الصين خياران. تحويل كوريا الشمالية إلى محمية وتوفير المساعدة الاقتصادية، إلى جانب المستشارين الصينيين وقوات حفظ سلام. لكن الذي سيتولى السلطة في كوريا الشمالية لن يقبل أن تكون محمية صينية، عندها فمن المحتمل أن يتشكل الخيار الآخر للصين بسبب التكاليف لإنعاش اقتصادها بعد وباء «كورونا»، فقد تحاول تحويل تكاليف إعادة بناء ودعم استقرار كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية، وتوافق على وحدة الكوريتين، بشرط انسحاب القوات الأميركية من شبه الجزيرة. أيضاً قد تقبل أو لا تقبل كوريا الجنوبية نظراً للتكاليف الهائلة لإعادة التوحيد، أثناء تعافيها هي الأخرى من الوباء، ومع هذا فإن أياً من هذين الخيارين قد يفيد الولايات المتحدة.
يذكر محدثي أن أميركا انخرطت لأول مرة في كوريا عام 1950 لمنع النظام الشيوعي في الشمال بدعم من الاتحاد السوفياتي (آنذاك) والصين من غزو الجنوب. وحتى اليوم لا تزال أميركا ملتزمة بكوريا الجنوبية لمنع التهديد من الشمال الذي كان يمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة ويؤدي إلى حرب، وكان هذا احتمالاً دائماً حيث اعتمد الديكتاتوريون الثلاثة؛ الجد والأب والابن، على شيطنة حكومتي سيول وواشنطن لتبرير الإنفاق العسكري الضخم والقمع الداخلي والقبضة الحديدية على السلطة.
يضيف محدثي؛ إن كراهية الولايات المتحدة وحلفائها الكوريين الجنوبيين كان بمثابة الغراء الذي حافظ على نظام الثلاثة «كيم»!
إذا رحل كيم جونغ أون، يمكن أن تتغير هذه الاستراتيجية الخطيرة، سواء أصبحت كوريا الشمالية محمية صينية أم جزءاً من كوريا الموحدة، إذ لن تكون الأولويات الوطنية لاحقاً الحفاظ على قوة أي ديكتاتور من عائلة كيم، أيضاً لن يعود العدوان الخارجي أو العسكرة المكلفة ضرورية أو مرغوبة. في الواقع لم تكن كوريا الشمالية أبداً تشكل تهديداً للولايات المتحدة، لكن النظام فيها صُمم لإبقاء أفراد عائلة كيم في السلطة. إذا انتهت سلالة كيم، فلن يكون هناك سبب للعداء بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة.
على كلٍ، يعتمد دور أميركا في شبه الجزيرة الكورية بشكل أساسي على ما تريده كوريا الجنوبية، وحسب محدثي، إذا أصبحت كوريا الشمالية بعد كيم محمية صينية تركز على التنمية الاقتصادية أكثر من التركيز على القوة العسكرية أو الترهيب الخارجي، فقد ترى سيول حاجة قليلة لوجود القوات الأميركية، وينسحب القول نفسه إذا توحدت الكوريتان؛ خصوصاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب اقترح مؤخراً أن تدفع سيول تكاليف القوات الأميركية التي تحميها. من هنا، إذا رحل كيم عن المشهد من دون وريث (ابنه البكر في العاشرة من العمر) فقد تنتهي المهمة الأميركية الطويلة في كوريا بطريقة ناجحة.
قد يكون كيم لا يزال على قيد الحياة ويتعافى، وقد لا يعود، والمعلومات الاستخبارية المتضاربة التي تصدر عن بكين وسيول تشير إلى أن هناك ما يمكن كسبه للطرفين الإقليميين عبر تأخير تسريب الخبر الصحيح أو التقليل من حجم ما يتردد عن رحيل كيم. كما تتيح هذه التحركات للاعبين على أرض كوريا الشمالية اعتماد الخطوات لتعزيز قواعد سلطتهم وتأمين استقرار الوضع، لأن جميع مكونات الصراع على السلطة في واحدة من أكثر الدول تقلباً وخطورة في العالم متوفرة، ولا سيما أنها دولة نووية، وهذا ينذر بأزمة عسكرية جديدة في شرق آسيا.
من كل التسريبات والتحليلات، تبدو الدول المعنية بكوريا الشمالية تائهة ما بين التمني بأن يكون «الرجل الصاروخ»، كما سماه الرئيس ترمب، في طور النقاهة، وبين أن يكون قد رحل فعلاً، وتحتاج إلى بعض الوقت لترتيب الوضع بتقاسم الغنائم، خصوصاً مستقبل كوريا الشمالية!
الأنظار كلها شاخصة الآن إلى الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان، والولايات المتحدة!
ويبقى السؤال؛ هل كيم جونغ أون حيّ؟ وهل تتجاوز شقيقته كيم يو جونغ كل السيناريوهات التي تدرس، والمجتمع الذكوري في كوريا الشمالية، وتصبح الزعيمة التي حافظت على سلالة كيم؟ لكن ماذا عن النظام نفسه؟!