بقلم : سمير عطا الله
منذ عقدين وإسرائيل تنتخب بنيامين نتنياهو زعيماً عليها، والآن تنزل إلى الشوارع خوفاً من أن يرمي بها إلى الحرب الأهلية. آخر ما قدمه نتنياهو للذين اقترعوا له مرة بعد مرة، أكثر الحكومات تطرفاً وتعديلاً قانونياً يحمي المتهمين بالفساد من أمثاله وأمثال زوجته. مضى الزمن الذي أُسقطت فيه حكومة إسحق رابين عندما تبيّن أن لزوجته حساباً في أحد مصارف نيويورك بعشرة آلاف دولار.
كنا نسمع في الماضي عن صراع شبه دائم بين اليهود الشرقيين والغربيين حول مسائل وتقاليد كثيرة. لكن هذه أول مرة يحذر فيها رئيس الدولة الإسرائيلية من خطر الحرب الأهلية. وأول مرة يؤنب فيها رئيس الولايات المتحدة حاكم إسرائيل. لكنها ليست المرة الأولى التي تترافق أزمة داخلية مع قتل 150 فلسطينياً في الضفة الغربية والقدس الشرقية على يد «جيش الدفاع الإسرائيلي» بينهم 80 فلسطينياً هذا العام.
ظهر «ملك إسرائيل» في الأيام الأخيرة مثل مهرج من جمهوريات الموز، متجاوزاً ومتراجعاً ومهزوماً، وكالعادة، بلا قيم. أهم ما حدث من ردود فعل على الفاقمة الأخيرة ما كتبه طوماس فريدمان، كبير معلقي «نيويورك تايمز»، الذي يعبر عادة عن مواقف اليهود الأميركيين و«المؤسسة الإسرائيلية». كتب بالصوت العالي أن نتنياهو أصبح عبئاً على إسرائيل ويهود أميركا، ويجب أن يذهب: «هذه الأزمة برمّتها كشفت حقيقة جديدة ومقلقة للولايات المتحدة، وهي أن زعيم إسرائيل يتصرف باعتباره لاعباً غير عقلاني، وهو أمر لا يمثل خطورة على مصالح الإسرائيليين فحسب، ولكن على المصالح والقيم الأميركية المهمة أيضاً، الأمر الذي يتطلب إعادة تقييم فورية من قبل الرئيس بايدن، واللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل، فقد أرادوا الوثوق به، ولكن اتضح أن كل ذلك كان مجرد كذبة».
يقول فريدمان إنه كان واضحاً منذ اللحظة الأولى أن هذه الحكومة ستذهب «إلى أقصى الحدود التي لم يجرؤ عليها أحد من قبل، وهذا سيأخذ يهود العالم والولايات المتحدة عبر الخطوط الحمراء التي لم يتخيلوا عبورها أبداً، مع احتمال زعزعة استقرار الأردن، والاتفاقات الإبراهيمية، والقضاء على الأمل في حل الدولتين، وجعل إسرائيل على حافة الحرب الأهلية». بل ربما على حافة حروب أخرى تهدد المنطقة برمّتها. لقد ضم هذا إلى حكومته أسوأ وجوه التطرف، فيما كانت دول عربية رئيسية تفكفك روح العداء التاريخي مع إسرائيل للمرة الأولى إلى هذه الحدود، وإلى أبعد مما ذهبت إليه اتفاقات كامب ديفيد. ولعل الحدث الأهم والأكثر دهشة في هذه المرحلة كان موافقة «حزب الله» على معاهدة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
كل هذه المتغيرات استقبلها نتنياهو بتعيين أعتى رموز الكراهية في حكومته. كانت دائماً هذه عادته، لكن هذه المرة كانت الأسوأ، حتى بالنسبة إلى أميركا.