بقلم : سمير عطا الله
مرت اليوم ذكرى 50 عاماً على صدر كتاب ألكسندر سولجنتسين «أرخبيل الغولاك» أو «الحياة» في معسكرات السجن مع الأشغال الشاقة في الاتحاد السوفياتي. كانت حياة الغولاك مجرد حكايات تروى، هنا وهناك، إلى أن أخرجها سولجنتسين من صيغة الرواية التي لا تصدق إلى الحقيقة البعيدة عن التصديق؛ ملايين البشر ماتوا وهم يعملون في حرارة 50 أو 60 حتى 70 تحت الصفر.
كانت أعمال سولجنتسين تكملة أعمال تشيكوف وأعمال الأدباء الروس. ومثل مئات الآلاف، اتُّهم سولجنتسين بأنه فاقد العقل. لكنه قرر المضي وحيداً في محاربة الإرث الستاليني. وإذ نفي إلى الولايات المتحدة زاد تأثيره داخل موسكو وحول العالم. وعندما انهار الاتحاد السوفياتي، تبيّن دون شك أن حملة سولجنتسين كانت أحد أسباب الانهيار.
ارتبط اسم الاتحاد السوفياتي أكثر من أي دولة أخرى بالحالات القصوى من التعذيب والهلاك. وتحدث سولجنتسين عن الجماجم التي سُحقت تحت الحديد حتى الموت، والرجال الذين أُغرقوا في حمام الأسيد الحارق، أو الذين سُحقت أجهزتهم التناسلية حتى الموت.
أنا واحد من الذين كانوا يعتقدون أن «الغولاك» كان دعاية أميركية يمثلها سولجنتسين. لكن ما أن وصل الرجل إلى الولايات المتحدة حتى بدأ حملته على النظام الأميركي ونهج الحياة السياسية والاجتماعية في الغرب. كما تبيّن أن أعماله أدب عميق يشبه أقرانه في القرن التاسع عشر، قللت من قيمتها الدعاية الأميركية والسوفياتية على السواء.
المؤسف أن سولجنتسين ظل حالة أدبية عابرة انتهت مع نهاية الاتحاد السوفياتي. لم يعد الغولاك قضية أحد. والجيل الجديد أراد أن ينسى تماماً تلك المآسي الوحشية الرهيبة التي لحقت بأهله وشعبه. الغريب في مرحلة «الغولاك» أنها ما فعله الحاكم بشعبه لا بأعدائه. وسيبيريا هي ما حل بالروس منذ أيام القياصرة، وليس منذ ستالين فحسب. لكن المشكلة مع السوفيات أنهم تركوا مثالاً لا يزال قائماً حتى اليوم. وذابت أمم كثيرة في الأسيد، وغيبوبة القتل الجماعي وهي تهتف للثورة والعدالة والمساواة. لكنها تساوت في الإبادة.
مرت ذكرى الغولاك من دون أن يتذكرها كثيرون. ولا ندري مَن حول العالم يعرف اليوم معنى الكلمة، أو يهمه أن يعرف. وبعد 50 عاماً لا تزال جوقة من الكومبارس الفكري المحزن تكتب أنني مجند للكتابة ضد الشيوعية؛ قسم يقول إن الذي جندني كان غسان تويني، وقسم يقول إن السعودية تتكفل مصاريف الحملة. «القسم الواعي» لا وجود له. منذ أيام ستالين!