بقلم : سمير عطا الله
يقول المثل الصيني: «إنه إذا ذهب صديق يزور صديقه ولم يجده في المنزل، ترك له على عتبة الباب قصيدة». فكل صيني شاعر. والأرجح أن كل روسي روائي، وكل روسية روائية. «أبنائي» هو عنوان الرواية (دار المدى) الثانية للكاتبة غوزيل ياخينا بعد «زليخة»، التي تُرجمت إلى 30 لغة. وبما أن الكاتبة التترية الأصل، من العاملات في حقل السينما، فإن عملها الثاني، مثل الأول، أشبه بكتابة سيناريو مكتظ بالتفاصيل، أو أن الكاتبة وضعته على أساس أن يصبح فيلماً ناجزاً فيما بعد، مثل العمل الأول.
تدور أحداث «أبنائي» في حوض نهر الفولغا في ثلاثينات القرن الماضي. وتصوِّر الحياة الصعبة التي عاشها في كنف النهر العظيم الروس الذين من أصل ألماني تتنازعهم حرب الجذور بين هويتين. تكتب ياخينا في نَفَس ملحمي (532 صفحة) قاتم ومثير. وترتكز روايتها على أحداث حقيقية عثرت على وثائقها في أوراق العائلة، لكن الخيال الدرامي يلعب دوراً جوهرياً في تصوير النسيج المزدوج.
هناك حكايات شعبية كثيرة في حوض نهر روسيا الأسطوري ترويها الكاتبة من خلال بطلها المعذب «باخ». ومن أجمل اللوحات كيف يتداوى أهل المنطقة بأعشاب لها كلها طعم مر من أجل قهر المرض المرّ بمرارة أقسى.
«العضو السقيم ينفعه الدواء الذي يشبهه قدر الإمكان: للقلب المريض أوراق البتولا، للمثانة أوراق البقدونس، لفقر الدم أوراق البرسيم الأحمر، لمبايض النساء قشر البيض المسحوق المغلي في الحليب مع زهور الزنبق الأبيض كذلك.
لا يثق أهالي «غنادينتال» بالدواء إلا إذا كان طعمه مقرفاً للغاية، لكي يطرد المرض بمرارته؛ فهم يستخدمون زيت التربنتين والملح وزيوت التشحيم بمثابة دواء، وتساعد الصراصير والضفادع ودهن القنافذ والكلاب أيضاً بشكل جيد. الأماكن المتورمة يفركونها بالصابون (حتى «تزيل» الورم). والجرح النازف يسدّونه بالعفن ونسالة الكتّان أو القنّب (لوقف النزيف)، وبأنسجة العنكبوت (لإحكام الحواف)، وبروث الخيل (لتثبيتها وتقويتها). وفي الحالات الشديدة جداً، يدهنونه بالغراء. ويعالجون التراخوما باللعاب، ووجع الأسنان بقطعة من البصل المرّ يحشرونها في الأذن. والدمامل يلطخونها بروث البقر، والحروق ببعر الأغنام.