بقلم : سمير عطا الله
في جملة الأسفار وسير أغوار الديار، توقفت مرة عند برج «بيزا» المائل. لم أفعل ذلك من أجل الحؤول دون سقوطه. فأنا في الهندسة مثلي في الحساب. وفي الحساب مثلي في قراءة النوتة الموسيقية. وفي قراءة النوتة الموسيقية مثلي في مصارعة الثيران.
صدف أنني كنت في الطريق إلى روما، التي تؤدّي جميع الطرق إليها، كما يقول المثل الشهير. وعملت حسابي (إياه) فوجدت أنني أملك الوقت، وبدل أجرة سيارة من المحطة إلى البرج وثمن فطيرة بيتزا. توقف القطار في المحطة، وتوجّه الموكب إلى البرج.
بعد فوات الأوان تذكرت أني أعاني من رعب الارتفاع. ومن أجل السلامة يمكن لي فقط أن أنظر للمواضع العالية، فقط من تحت. والمرة الوحيدة التي غامرت فيها بالصعود إلى برج، كانت إلى غداء في برج «خليفة» متسلحاً بجميع الضمانات، لكن مثل ضمانات مرشحي الرئاسة اللبنانية.
أقصد المرة الوحيدة بملء إرادتي ووعيي الكامل. السابقة كانت في نيويورك. وقد التقيت صديقاً عراقياً عزيزاً دعاني إلى العشاء في مطعم البرج التجاري (لا سواه). ولم أستطع الاعتذار ولا التعلل بأنني لم أتلقَّ التدريب في سلاح المظلّات. وهكذا، ذهبنا وتعشينا واكتشفنا أن الطائرات تحلق من تحتك، ولذلك من الأسلم أن تتظاهر بأنك تقرأ ملياً في لائحة الطعام.
أمضيت سنوات أروي بطولة العشاء في مرتفعات مانهاتن، خصوصاً إذا كان الصديق العزيز حاضراً يصغي إلى مغامرات عباس بن فرناس. الرحلة إلى برج «بيزا» المائل كانت قبل ذلك بسنوات. وقد تيقنت بنفسي من وجود هذه التحفة المعمارية. ولكن من بعيد. من ساحة الكاتدرائية. ولم أحاول طرح أي سؤال أو شكوك. مائل، فليكن مائلاً. لقد وُلد كذلك. في القرن الثاني عشر بسبب خطأ هندسي غبي، وفشلت كل المحاولات التي بُذلت بعد ذلك لجعله مستقيماً.
كلما قرأت صحف الصباح كل يوم أقول في نفسي: ما أشبه هذا العالم ببرج «بيزا». لقد وُلد مائلاً ولن يستقيم. كل يوم يبدو العالم على وشك السقوط ويظل واقفاً. ولكن على نحو يثير الخوف. لذلك حاوِل التفرج على البرج المائل من مسافة آمنة. الاقتراب غير مضمون.