بقلم - سمير عطا الله
فقدت مصر أشهر أساتذة علم الاجتماع ورئيس «مركز ابن خلدون للدراسات» الدكتور سعد الدين إبراهيم. وكان الدكتور إبراهيم رجل الفكر الوحيد الذي رماه عهد الرئيس مبارك في السجن، إذ حكم عليه القضاء بعقوبة سبع سنوات، قضى منها ثلاثاً. وكان العنصر السياسي في الحكم واضحاً. وكذلك تهمة «الأمركة» لأستاذ سابق في الجامعة الأميركية، حيث كان بين تلامذته السيدة سوزان مبارك، وأحد ابني الرئيس، جمال أو علاء. للأسف لا أذكر.
عدنا فشاهدنا الرئيس مبارك وهو في المحكمة على محفّة، يُنادى عليه بالاسم الثلاثي، فيجيب في صوت مسموع: أفندم! تلك كانت صفحة مشرقة من صفحات القضاء في مصر: قاضٍ في كرسي رئاسة الجمهورية (عدلي منصور) ورئيس في قفص الاتهام. وباستثناء موضوع سعد الدين إبراهيم، على أهميته، كان سجن مبارك لأهل الرأي ضيقاً، بالمقارنة مع سلفيه. أو مع المرحلة القصيرة التي تولاها الدكتور مرسي العياط.
خرج الدكتور إبراهيم من السجن يستأنف حياة أكاديمية وعلمية راقية ومليئة بهموم «ابن البلد». وكان يكتب زاوية أسبوعية في «المصري اليوم» تطغى عليها نظرته وخبرته عالمَ اجتماع. ومع تقدمه في السن، ابتعد قليلاً عن السياسة، منصرفاً إلى الاهتمام بـ«مركز ابن خلدون»، الذي ضمن له وجاهة المناصب التي افتقدها في السياسة.
إلى حد بعيد، كان الأستاذ الجامعي وخريج جامعات أميركا الكبرى ظاهرة متفردة في حد ذاتها. وقد حاول نقل مكانته العلمية إلى نطاق أوسع، خارج مصر. وعقد اتفاقات مع جامعات مصر. كما ساهم قبل احتلال الكويت في دار النشر التي أنشأتها الدكتورة سعاد الصباح، والتي كانت الغاية منها إقامة نوع من رابطة ثقافية على مدى العالم العربي. كان الدكتور إبراهيم «مندوب» مصر في ذلك المشروع الطموح. وبالتالي الركن الأساسي فيه. كما كان مقرراً أن يتولى منصباً إدارياً فيه، وليس مجرد مشاركة اسمية.
ترك الرجل آثاراً لا تحصى من المؤلفات، ومنها بالإنجليزية. وكانت غزارته محل إعجاب ومحط تندّر معاً. وحل ضيفاً محاضراً على الكثير من جامعات العالم. ولا أعتقد أن هناك من يوازيه في هذا المجال بين أهل الأكاديميا العربية.
تحوّل في الآونة الأخيرة إلى المباسطة مع قرائه. وانتقل من الفلسفة إلى الحكايات. وصدر آخر مقال له في «المصري اليوم» يوم وفاته، السبت، وفيه يعلق على ما كتبه الشاعر فاروق جويدة عن فاتورة مليون جنيه لقاء ستة أيام في أحد فنادق العلمين. وكان، رحمه الله، يختم مقاله على الدوام بالرجاء التالي: «وعلى الله قصد السبيل».