بقلم : سمير عطا الله
انتخابات في كل مكان ومن جميع الأنواع: من قارة البرازيل إلى قارة لبنان. القاسم المشترك بين خامس أكبر دولة في العالم، وخامس أكثر دولة فساداً هو الاستسلام لفكرة التردي الأخلاقي، بعكس انتخابات إيطاليا، حيث فاز اليمين المتطرف وظهر شبح «القائد» موسوليني في مئويته، من المتوقع في البرازيل اليوم فوز اليسار بشخص الرئيس السابق لولا دي سيلفا، الأكثر شعبية في تاريخ البلاد.
رئيسان، سابق وحالي، يتنافسان: جايير بولسنارو ولولا دي سيلفا. وفي بلد بنى شهرته على رقص السامبا ورقص كرة القدم، أعلن اللاعب الأول، نيمار، دعمه للرئيس الحالي. لكن على بولسنارو أن يسجل أهدافه هذه المرة في مكان آخر. كل الاستفتاءات تشير إلى أن دي سيلفا، عامل النظافة السابق، فائز بأغلبية كبرى.
لعبت «الجولات» التلفزيونية دوراً مهماً في الصراع: عقيد سابق في الجيش، باهت الحضور، وزعيم يهتف له الجائعون والمعوزون، وهم في البرازيل في كل مكان. ولم يتردد المتبارزان في نعت كل منهما للآخر بـ«الكذاب» و«الفاسد». وربما كلاهما على حق. فأميركا الجنوبية تعاني من الفقر والقلق والجريمة ومدن الصفيح منذ «اكتشافها». وقد قطعت أشواطاً كثيرة نحو الدول العادية، لكنها لا تزال «بطلة» الأدب الحزين وأرض الثروات المسروقة. ويبدو أنه ذهبت إلى غير عودة الانقلابات العسكرية التي دمرت حريات النمو، وحرضت الناس بعضها على بعض في الأرجنتين، وتشيلي، وكولومبيا، وفنزويلا، ونيكاراغوا، وطبعاً البرازيل.
الكرة والأدب كانا مجد القارة. ميسي ونيامار. أو أولاً الأسطورة بيليه والأسطورة ميسي. شبان ينشأون في الأحياء الفقيرة ويتقاذفون الكرة وينتهون لاعبين مبهرين وذوي ثروات طائلة. لكن الدولة نفسها لا تصطلح ولا تتطور وتبقى مأساة يغترف منها الكبار في الرواية والقصيدة. خورخي بورخيس من الأرجنتين، وبابلو نيرودا من تشيلي، وأكتافيو باز من المكسيك، وغارسيا ماركيز من كولومبيا، وماريو بارغاس يوسا من بيرو. والأخيران أُعطيا نوبل الأدب التي تنافسا عليها بشراسة كما تنافس نجيب محفوظ ويوسف إدريس. وعندما انضم بارغاس يوسا إلى كتّاب «الشرق الأوسط»، هل للرجل قراء في العالم العربي؟ وقد أدهشني بفرح موقعه في مؤشر «الأكثر قراءة»، حتى في المواضيع التي كنت أعتقد، عن جهل، أن القارئ العربي لا يهتم بها أو حتى يعرف عنها.
أعاد هذا إلى ذاكرتي مقالاً كتبته في «النهار» في السبعينات وكان عن البرازيل. وأرسل طالب من الجامعة الأميركية تعليقاً يصحح لي الكثير من الأخطاء. فعدت وكتبت أن الكثيرين من القراء أكثر معرفة من كثير من الكتّاب.