بقلم : سمير عطا الله
كانت للأخ العقيد معمر القذافي هوايات كثيرة، منها البسيط، مثل تغيير العالم، ومنها المعقد قليلاً، مثل حكم العالم. وكان ذلك يقتضي أحياناً القليل من الدماء والكثير من الضحايا، مثل حرب لبنان، وحرب آيرلندا، وحرب تشاد، وكل حرب أخرى تستطيع الجماهيرية أن ترسل إليها شيئاً من المعونات الثورية.
أربعون عاماً والأخ العقيد يحاول تحرير هذا العالم وتلقينه «النظرية العالمية الثالثة». تخلل تلك الهوايات تفجير الطائرات المدنية وهي في الجو. وأشهرها طائرة «البانام» الأميركية التي فجرت بـ270 راكباً فوق قرية «لوكربي» في أسكوتلندا العام 1988. يومها، لم يعد المشهد محصوراً بالهوايات، بل كشف العالم ودوله الكبرى عن هشاشة الأمم وخساسة القانون الدولي. بعد تحقيقات ومداولات وشهادات توصلت «الأسرة الدولية» إلى أن ليبياً واحداً هو الذي قرر ونفذ ومول وخطط عبر القارات عملية «لوكربي» وبسببه حكم على الجماهيرية أن تدفع 2.7 مليار دولار تعويضاً لأهل الضحايا. وانتهى الأمر. أو بالأحرى لم ينته الأمر. فقد أعلنت الولايات المتحدة قبل أيام اعتقال الليبي أبو عقيلة مسعود المريمي لمحاكمته بتهمة صنع القنبلة التي فجرت طائرة «البانام». وتم الاعتقال فوق الأراضي الليبية حيث كان الرجل يعيش مطمئناً طوال كل هذه العقود، واثقاً من أن القانون الدولي شبيه بالنظرية العالمية الثالثة، التي لا تزال تصر على أن المرأة أنثى والرجل ذكر، برغم شيوع الحالة الثالثة المعروفة بالجندر، والقاضية بأنه ليس من الضروري أن يكون الرجل هذا والمرأة تلك، بل يمكن أن تكون تلك هذا وذلك ليس بذلك، وإنما Same Same كما يقول إخواننا الهنود، مع أنهم سادة الولادات في العالم وسوف يتقدمون الصين العام المقبل في أعداد النشامى، مما يؤكد الخلائق ليست أبداً same same أي «مثل مثل»، أو كما يقول اللبنانيون «كما حنا، كما حنين».
على حظ الأخ أبو عقيلة قررت العدالة الدولية أنها لا تموت ولا تنطبق عليها نظرية مرور الزمن، ومبدأ عفا الله عما مضى. وقد يتبين أن أبو عقيلة هو أيضاً صانع قنبلة الطائرة الفرنسية التي سبقت لوكربي إلى المأساة. فالرجل واسع المعرفة التقنية وأعداء الجماهيرية كثيرون. واعتقال أبو عقيلة قد يفتح كهفاً من الأسرار والهويات ويؤكد النظرية الثالثة، الرجل حقاً ذكر.