بقلم - سمير عطا الله
يذهب الأرجنتينيون اليوم إلى اختيار رئيس آخر، (وليس جديداً)؛ لأنه لا جديد في هذه البلاد، التي كان الدخل القومي فيها أعلى من الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وأوائل الأربعينات من القرن الماضي. قلب الجنرال بيرون الحكم وتربّع. وتربّع بعده عدد من الجنرالات، وخلال حكم بعض هؤلاء، فقدت البلاد اقتصادها وشبابها وجمالها وموسيقاها. وخلال نصف قرن صرت أعرف سلفاً ماذا سأقرأ عن الأرجنتين: تضخم، وشفير إفلاسي، وفوز المرشح البيروني، وفضيحة مالية، أو نسائية، أو سياسية، أو الثلاثة معاً، كما في حال السنيور كارلوس منعم.
تبلغ نسبة التضخم الآن 143 في المائة، وهو معدل يحمد الأرجنتينيون الله عليه. ويبلغ عدد سكان البلاد 45 مليون نسمة، بينهم أبناء خالتي، وقريب من رجال الاقتصاد، لم ألتقه مرة، إلا ناح على حال البلاد، كما ناحت الحمامة جارة أبو فراس.
للأرجنتين حصة من كل خيرات الأرض، بما فيها النفط. وعرف العالم مؤخراً ثروة طبيعية هي الليثيوم. والأرجنتين من كبار المالكين. ويشبِّهها أحد القوّالين من أصحابنا بنسخة عن لبنان والفساد، خصوصاً بعد ظهور الغاز والنفط. وله في ذلك طقطوقة تقول:
نفط وشفط ونهب وألماس / حفر ونقر وألغاز/ بحر وبرّ وقوقاز.
الجالية اللبنانية في بلاد التانغو هي الثانية بعد الإيطاليين: 1.5 مليون نسمة. قلّة منهم تعود إلى البلد الأم للزيارة لأسباب أرجح أن أهمها مرض التضخم المزمن وبُعد المسافة: طرف الأرض.
تحول خوان بيرون إلى ديكتاتور، وتحولت زوجته الثانية، إيفيتا إلى أسطورة. وبعد وفاتها حاول أنصارها سرقة جثمانها لإعلانها قديسة، فقامت السلطات بتهريب الجثمان إلى خارج البلاد. الموسيقي البريطاني أندرو لويد ويبر حوّل قصتها إلى غنائية رائعة على مسارح لندن ونيويورك، وكانت أجمل أغانيها «لا تبكي من أجلي أيتها الأرجنتين»، التي تُختم بها المسرحية. ويخيل إليّ من دون ادعاء، أن العنوان مأخوذ من مطلع سوناتا لشكسبير هو:
لا تحزني عليَّ بعد موتي / بأطول من دقات أجراس النعي.
هل يعقل أنه لم ينتبه أحد من نقّاد المسرح إلى المشابهة إلا قارئ عربي؟ لعل العارفين يفيدوننا. ومن جهتي أقول قولي هذا وأنا أبكي إيفيتا، اللقيطة التي صارت إحدى أجمل وأحزن الحكايات.