بقلم : سمير عطا الله
أغرت الهزّة التي ضربت أميركا ما بين أبراج نيويورك ومبنى وزارة الدفاع في واشنطن، الكثير من أصدقاء أميركا وأعدائها على البحث عن اسم آخر بدل «القرن الأميركي». ثمة من قال إنه القرن الياباني، وآخرون قالوا إنه القرن الروسيّ، والأكثرون قالوا بل هو القرن الصينيّ. ولم يقل أحدٌ إنه القرن الأوروبيّ، لأن أوروبا بدت «حقاً القاره العجوز»، كما وصفها وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد. وتلقَّى المحللون والمؤرخون صورة الوهن الأميركي على أنها ظاهرة طبيعية تكررت عبر التاريخ. وقد حدث ذلك للإمبراطورية الرومانية التي غطّت العالم أجمع. وللإمبراطورية البريطانية التي لم تغب عنها الشمس. وبدا تفجير نيويورك حدثاً عابراً بالمقارنة مع ما حدث للاتحاد السوفياتي من قبل.
غير أن التكهن بالزوال الأميركي كان متسرعاً ومبالغاً به. القوّة الأميركية استمرّت في النمو، والأسلحة الأميركية استمرّت في التفوّق، ومختبرات العلم استمرت في السبق، وما خسرته واشنطن في الأرض كسبته في الفضاء. وظل أسلوب الحياة في العالم، البساطة الأميركية التي سادت في كل مكان، ففي منتصف القرن الماضي خلع الجميع تقريباً الثياب الرسمية وربطات العنق، وارتدوا بناطيل الجينز، وراحوا يقرأون «الكتب الأكثر مبيعاً»، ويدمنون أفلام هوليوود وبرامجها، ودخلت «أبل» و«مايكروسوفت» إلى جميع البيوت والمكاتب. وإذا كانت حضارات البشر قد جاءت في الماضي من الشرق وآدابه، ومن المتوسط، وكذلك اختراع الأبجدية والأرقام، فإن كل شيء في العالم الحديث أصبح من نتاج الثقافتين الأميركية والبريطانية اللتين اعتصرتا الثقافة الأوروبية أيضاً.
في هذه الأثناء كانت الثقافات الأخرى تتقدم هي أيضاً. ويقول المؤرخ الشهير آرثر شلينغر إن «الولايات المتحدة» كانت عام 1900 الدولة الأكثر تعلّماً، وأصبحت بداية هذا القرن تحتل الرقم 45. ولم تتردد الدولة العظمى في تأييد ودعم أسوأ الديكتاتوريات والأنظمة الفاسدة في أميركا اللاتينية وأميركا الوسطى. كما أنها ثبّتت أسوأ أنواع الحروب في فيتنام وجوارها بالمنطقة المعروفة سابقاً بـ«الهند الصينية».
قسّم بعض علماء الاجتماع الحقبة الماضية بالقرن البريطاني بين 1820 إلى 1920، ثم بالقرن الأميركي بين 1920 و2020. والأعوام المائة المقبلة في انتظار الاسم الذي ستحمله، غير أنه من المرجح جداً ألّا يُحمل اسم القرن الأميركي مرة أخرى. أكثر المشكّكين في ذلك كان العالم الشهير صمويل هنتنغتون، الذي أعلن أن القائلين بقيام عالم غربي متصدر هم متعجرفون ومضللون ومزورون ويشكّلون خطراً على الجميع. وللحديث بقية.