الكاتب صناعة الكتب

الكاتب صناعة الكتب

المغرب اليوم -

الكاتب صناعة الكتب

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

يتشوق كل قارئ إلى معرفة الكتب التي صنعت كاتبه المفضل. وكل كاتب يحاول معرفة المؤلفين الذين صنعوا كتابه الأكثر تأثيراً. لكن هل يصنع الكاتب كتاباً أو كاتباً واحداً، أو بضعة كتب؟ بعض الكتاب الكبار مثل خورخي لويس بورخيس قال «الجنة مكتبة»، لأنه كان أمين المكتبة الوطنية في بوينس آيرس. وعمد من بعده سكرتيره ألبرتو مانغويل إلى معاملة الكتاب مثل كائن بشري يتولى صناعة الكتاب. وهناك مئات، أو آلاف الكتب، الأقل أهمية أو شهرة، حول الموضوع نفسه. لكن لماذا صنعت الكتب نفسها خورخي لويس بورخيس، وإلى درجة أقل بكثير صنعت مانغويل؟ ولماذا قرأ فريد شحاتة على طه حسين، وخرج بكتاب واحد، وخرج طه حسين عميداً للأدب العربي؟
لن أحاول الإجابة أو شيئاً منها على مثل هذه المسألة التاريخية. في كتابه «الكتب في حياتي» (دار المدى) للفيلسوف البريطاني كولن ولسن، يعرض مجموعة من المؤلفات التي قرأها طفلاً ثم يافعاً ثم شاباً. عندما تستعيد العناوين تجد أن أي إنسان من ثقافة معينة ومنشأ معين، قرأها هو أيضاً وتأثر بها بالدرجات المتفاوتة نفسها. لكن يجب أن نعرف أيضاً أن ولسون كان يبتاع بيوته وفقاً لما يمكن أن تتسع غرفها لآلاف الكتب التي اقتناها على مدى السنين. وهي كتب لم يعلقها على الرفوف للزينة، ومع هذا لم يبق في الذاكرة سوى نحو عشرين كتاباً. والرقم نفسه عدده هنري ميلر، الذي كان بدوره أحد المؤثرين في أعمال ولسون.
سوف تلاحظ أنك تعرضت للتأثيرات نفسها التي مر بها ولسون كقارئ عادي أيضاً. ومن أي خلفية ثقافية أتيت. فإلى اليوم ما زلت أقرأ دوستويفسكي كما قرأته فتى، كما أنني الآن أقرأ أرنست همنغواي مستخفاً بما كنت أعجب به وأنا شاب، بل إنني أعود دوماً إلى الأول فيما لم تعد أعمال همنغواي تبعث فيّ أي حماس أدبي أو مشاعري. إننا الآن نقرأ «عن» همنغواي وسيرته الحافلة بالإثارة، أما تحفته «لمن تقرع الأجراس» فلم تعد تقرع أجراسها إلا في المكتبات العامة والمناهج الدراسية. حياة ولسون في الكتب، أو معها، شبيهة بحياة أي شاب في فرنسا أو ألمانيا أو من طلاب المنهج الغربي في مصر أو لبنان: تأثير الأب أو الأم، أو كليهما في اختيارات القراءة. فالأب كان قد قرأ الأشياء نفسها وهو في عمر الابن. وفي حالة ولسون القارئ المثقف في المنزل هو الأم، أما الأب فكان عاملاً في مصنع للأحذية، «والأرجح أنه لم يقرأ كتاباً في حياته كلها».
يقتضي القول، في أي حال، أن صاحب «اللا منتمي» هو أكثر أدباء العالم تماهياً مع الكتب. أو كتب الآخرين. وقد اعتمد عليها كما يعتمد الروائي على أبطاله. كل المواضيع التي طرقها وبنى عليها جاءت فكرتها من كتاب. أو نقاشها أو جدلها. ولطالما سلمنا برؤيته العلمية أو تحليله الفلسفي. وبهذا المعنى كان فيلسوفاً شعبياً (لا شعبوياً) من فلاسفة بريطانيا في القرن الماضي. ولم يكن راضياً عن الحالة الثقافية في بلاده، داعياً إلى الاهتداء بالنموذج الألماني والفرنسي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاتب صناعة الكتب الكاتب صناعة الكتب



GMT 22:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الكل متأخر... سيدي!

GMT 15:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 15:30 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

متى يبدأ الدرس؟

GMT 14:53 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية واستحقاقات الحرب السرية

GMT 14:50 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... القول ما قالت «ندى» الجميلة!

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب
المغرب اليوم - استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب

GMT 09:26 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات الكلى
المغرب اليوم - أدوية علاج لمرض السكري قد تُقلل خطر الإصابة بحصوات الكلى

GMT 09:56 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يتصدّر ميدان "تايمز سكوير" في نيويورك
المغرب اليوم - عمرو دياب يتصدّر ميدان

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 10:41 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الفرنسي هيرفيه رونار يعود لتدريب منتخب السعودية

GMT 05:47 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 06:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الدولار الأميركي يواجه تحديات عقب توسع مجموعة "بريكس"

GMT 06:11 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتنسيق الديكورات حول المدفأة الكهربائية

GMT 09:46 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مانشستر سيتي في ضيافة وولفرهامبتون بالدوري الإنكليزي

GMT 00:48 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

دونالد ترامب يؤكد أن ولاية بنسلفانيا تمارس الغش
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib