بقلم : سمير عطا الله
أحد شروط فن الخطابة هي أن تنظر إلى جمهور سامعيك بالآلاف ولا تجزع من المشهد مهما كان الجمهور محباً. رؤية الجماهير مبهرة ومخيفة. الجمع الغفير حالة مرعبة، سواء في تظاهرة أو في محطة قطار أو في مباراة كرة قدم.
أكتب هذه السطور ليس بتأثير مشاهد كأس العالم، بل عند سماع خبر تعيين نائب رئيس الوفد الصيني لدى الأمم المتحدة. من السهل أن يختار الشعب رئيسه، لكن كيف يمكن للدولة أن تختار دبلوماسياً مستحقاً لمنصب عاديّ من بين مائة مليون إنسان على الأقل يتمتعون بالكفاءة نفسها؟
الدول الكبرى والمدن الكبرى حالة من حالات الصعوبة البشرية مهما بلغت قدرة التنظيم. عاصفة ثلجية غير متوقعة شلَّت أميركا وسربلت نيويورك وأعجزت أكثر الأجهزة تقدماً عن مواجهة الثلوج. الدنيا لم تنشأ لمثل هذه الأعداد البشرية. عند قيام السوق المشتركة قال أحد كبار الاقتصاديين الهولنديين، من المستحيل أن تدير بكفاءة دولة يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة.
فتحت الصين الأبواب لـ«كورونا» بعد إغلاقها بالإسمنت. وجدت أنه من المستحيل تطبيق الحظر، وأن الملايين سيقفزون عشوائياً من الإغلاق، وأن من الأفضل العودة إلى النموذج السويدي: دعوا الكارثة تواجه نفسها. ثم تبعتها دول كثيرة. ثم تبعها الجميع. وعندما تكون الكارثة بهذا الحجم، والمعرّضون بهذه الأعداد، لا يعود هناك سبيل قابل لاحتواء المصائب.
طبعاً الحل ليس في تقسيم الهند وتصغير الصين واختصار أميركا. هذا النوع من المعضلات المفاجئة لا يمكن أن يحكمه منطق. بلى، هناك سبل الوقاية، وإلاّ لحصدت العاصفة الثلجية عشرات الأضعاف. ولكن الحل الحقيقي لا وجود له. الصين ستفتح باب الولادات من جديد بينما معدل الولادات في أوروبا يكاد يقارب الصفر. وقد بلغ عدد سكان العالم هذه السنة 8 مليارات بشريّ، أكثرهم غارق في الفقر والبؤس والمجاعات، بينما تغرق الشعوب الأكثر تقدماً في التضخم المخيف. وأبواب النجاة قليلة أمام الجميع.
معدل الولادات في البلدان الفقيرة لا ينفع فيه معدل التقدم العلمي. لن يعثر لنا «جيمس ويب» في مدارات الكواكب خلال رحلة ممتدة عشرين عاماً، على حقول قمح جديدة. وإذا عثر، فسوف تلتهمها الزيادة السكانية قبل حصادها. فلننتظر الآن ونرَ ماذا سيحدث بعد «فتح» الصين أمام «كورونا». مشهد الجماهير الهائلة مفزع، إذا وقفت وإذا تحركت.